الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
على سيدنا محمد [ ص: 15 ] وسلم


قوله على سيدنا محمد ظرف لغو متعلق بصلى وفي كلامه إطلاق السيد على غير الله تعالى وفي المسألة ثلاثة أقوال حكاها ابن المنير في المقتفى أحدها جواز إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره الثاني لا يطلق على الله وعزاه إلى الإمام مالك .

الثالث أنه لا يطلق إلا على الله تعالى بدليل ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام قالوا له يا سيدنا قال : إنما السيد الله } .

وفي الكتاب والسنة ما يرد هذا القول .

قال الله تعالى { سيدا وحصورا } وقال عليه الصلاة والسلام { أنا سيد ولد آدم ولا فخر } .

كذا في التعليق وذكر الشهاب الخفاجي أستاذنا عن الإنكار حكاية عن النحاس أنه جوز إطلاقه على غير الله تعالى إلا أن يعرف قال والأظهر جوازه بالألف واللام لغيره تعالى ثم قال قد عرفت الأقوال أربعة والصحيح منها أنه يجوز إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره مطلقا وهو في الله بمعنى العظيم المحتاج إليه وفي غيره بمعنى الشريف الفاضل الرئيس ويدل على ذلك الكتاب والسنة واستعمال العرب ووجهه ظاهر .

والقول الثاني المحكي عن مالك من عدم جواز الإطلاق على الله تعالى وجهه أنه لم يثبت في الأحاديث المشهورة التي وصلت إليه ولأن معناه الحقيقي من يسود قومه أي يرأسهم فعزه بعزهم وفخره بكونه متبوعا وهذا لا يليق بالله الغني عن [ ص: 14 ] العالمين .

والقول الثالث وهو اختصاصه تعالى به ووجهه أن معناه المحتاج إليه المتصرف في أمور غيره وهذا لا يليق بغير الله تعالى على الحقيقة والقول الرابع القائل بالتفصيل مبني على الاستعمال الأغلبي والمعرف باللام هو المعروف المعهود بالعظمة وكونه ملجأ أو هو أيضا لا يليق بغيره وضعفه ظاهر لما مر .

ومحمد علم شخصي لنبينا صلى الله عليه وسلم فيه معنى اللقب من حيث إشعاره بالمدح ذكره ملا شيخ البخاري في شرح الإرشاد وهو أشهر أسمائه الشريفة وهي ألف عند بعضهم وقيل ثلثمائة وقيل تسعة وتسعون وهو منقول من اسم مفعول الفعل المضعف أي المكرر العين وهو حمد بالتشديد سماه به جده عبد المطلب لموت أبيه في سابع ولادته بإلهام تفاؤلا بأن يكثر حمد الخلق له .

وفي السير قيل لعبد المطلب لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك قال رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله رجاءه لما سبق في علمه .

وقيل لم يسم به أحد قبله إلا خمسة عشر كما بينه بعضهم وأما اسمه أحمد فلم يسم به أحد قبل ولادته وقيل إن الله سماه قبل خلق الخلق بألفي عام واشتق له من الحمد اسمان أحدهما يفيد المبالغة في المحمودية وهو محمد والآخر يفيد المبالغة في الحامدية وهو أحمد ، واشتهر الأول منهما وهو الأفضل على الأصح اشتهارا أكثر وخص به .

كلمة الشهادة لأنه أنسب بما له من مقام المحمودية وهذا كله مشهور إلا التصريح بالأفضلية فنقله بعض مشايخ شيوخنا .

هذا ولا يخفى أن كون أحمد يفيد المبالغة في الحامدية مبني على القول بأنه منقول من أفعل التفضيل أما على القول بأنه منقول من الفعل المضارع كما قيل به ، فلا .

وقد ادعى السخاوي في سفر السعادة وسفير الإفادة أن أحمد أبلغ من محمد كما أن أحمر أبلغ من محمر وذكر أنه ليس منقولا من الفعل المضارع ولا هو أفعل تفضيل إنما مثال هذا أن يقال لك أين من كرم أفعل فتقول أكرم ومن هذا " الله أكبر " .

وذكر الكافيجي أن الله تعالى سماه بأحمد قبل أن سماه بمحمد للآية أعني قوله تعالى { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ( انتهى ) .

وفيه تأمل وما اشتهر من أن محمدا منقول من اسم مفعول الفعل المضعف كما سبق هو أحد القولين وقيل منقول من المصدر لأن هذه الصيغة كما تكون اسم مفعول كما هو الكثير تكون مصدرا كما في [ ص: 15 ] قوله تعالى { ومزقناهم كل ممزق } وقيل أنه مرتجل ومشى عليه ابن معطي بل صرح الزجاجي بأن الأعلام كلها مرتجلة خلافا لسيبويه في أنها كلها منقولة لأن النقل خلاف الأصل فلا يثبت إلا بدليل ولا دليل على قصد النقل إذ لا يثبت إلا بالتصريح من الواضع .

ولم يثبت عنه تصريح .

أقول هذا لا يتم في اسم محمد وإن تم في غيره لأن دليل قصد النقل من الواضع موجود وهو قول عبد المطلب المتقدم .

وفي شرح الهادي محمد مفعل من الحميد والتكرير فيه للتكثير منقول من الصفة على سبيل التفاؤل وأخطأ من قال أنه مرتجل ( انتهى ) .

وهذا يؤيد ما قلته .

قال أستاذنا كأنه أي القائل بالارتجال ادعى أن العرب إنما قالت في غير العلم محمود لا محمد وهذا مراد حسان رضي الله تعالى عنه بقوله : فذو العرش محمود وهذا محمد .

فتدبر ( انتهى ) .

أقول وجه التدبر أنه سمع في الوصفية بغير العلمية محمد قال الأعشى :

إليك أبيت اللعن كان كلالها إلى الماجد الفرع الجواد المحمد

( 4 ) وسلم : أي عليه وحذف من الثاني لدلالة الأول وهو كثير ومصدر سلم التسليم ، والسلام اسم منه ومعناه السلامة من النقائص ويكون بمعنى التحية وجمع بينهما خروجا من خلاف من كره إفراد أحدهما من الآخر وإن كان عندنا لا يكره كما صرح به في منية المفتي وهذا الخلاف في حق نبينا صلى الله عليه وسلم .

وأما غيره من الأنبياء فلا خلاف في عدم كراهة الأفراد لأحد من العلماء ومن ادعى ذلك فعليه أن يورد نقلا صريحا ولا يجد إليه سبيلا إن شاء الله تعالى .

كذا في شرح العلامة ميرك على الشمائل ثم إن هذه الجملة والتي قبلها معطوفتان على جملة الحمد عطف فعلية على اسمية وهو غير مستحسن كما في مغني اللبيب من الباب الثاني .

ولقائل أن يقول هما معطوفتان على جملة أنعم والتقدير الحمد لله على إنعامه وعلى صلاته على سيدنا محمد وسلامه .

وعلى هذا فيكونان من جملة المحمود عليه إلا أن هذا وإن كان صحيحا من جهة المعنى والصناعة إلا أنه يلزم عليه فوات إحراز فضيلة الصلاة بالكتابة وإن حصلت بالنطق وهو خلاف [ ص: 16 ] ما عليه عمل الناس في الخطب

بقي أن يقال أن المصنف رحمه الله لم يتشهد في خطبته وقد قال صلى الله عليه وسلم { كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء } رواه الترمذي وحسنه وصححه النووي والبيهقي .

قيل والجواب عنه بأنه تشهد باللسان يدفعه صريح لفظ الحديث ( انتهى ) .

أقول ليس في لفظ الحديث صراحة بأن الإتيان بالتشهد في الخطبة لا يكون إلا بالكتابة حتى يكون دافعا للجواب كما هو ظاهر لأولي الألباب وما قيل في الجواب بأن في الحديث لينا غير سديد لأنه بفرض ذلك يعمل به في الفضائل كيف وقد حسنه الترمذي وصححه النووي ؟ ، وما قيل أن الحديث في خطبة النكاح لا في الكتب والرسائل بدليل ذكره في كتاب النكاح مردود بأن العام يجري على عمومه حتى يرد ما يخصصه .

وذكره في كتاب النكاح لا يصلح مخصصا وقول التوربشتي : المراد بالتشهد الحمد رد بالرواية الأخرى " كل خطبة ليس فيها شهادتان " وبأن المعنى الحقيقي للتشهد هو الإتيان بالشهادة وأما هذا فهو معنى مجازي والحمل على المجاز بغير قرينة صارفة عن الحقيقة غير مرضي

التالي السابق


الخدمات العلمية