الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
الثامن في بيان عدم اشتراطها في البقاء وحكمها مع كل ركن قالوا : في الصلاة لا تشترط النية في البقاء للحرج كذا في النهاية ، فكذا في بقية العبادات وفي القنية لا تلزم نية العبادة في كل جزء إنما تلزم في جملة ما يفعله في كل حال ، وفي البناية افتتح المكتوبة 334 - ومن الغريب ما في المجتبى : ولا بد من نية العبادة ، وهي التذلل ، والخضوع على أبلغ الوجوه ونية الطاعة ، وهي فعل ما [ ص: 159 ] أراد الله تعالى منه ونية القربة ، وهي طلب الثواب بالمشقة في فعلها 335 - وينوي أنه يفعلها مصلحة له في دينه 336 - ، وأن يكون أقرب إلى ما وجب عنده عقلا من الفعل وأداء الأمانة وأبعد عما حرم عليه من الظلم وكفران النعمة ، ثم هذه النيات من أول الصلاة إلى آخرها خصوصا عند الانتقال من ركن إلى ركن ، ولا بد من نية العبادة في كل ركن ، والنفل كالفرض فيها إلا في وجه واحد 337 - وهو أن ينوي في النوافل أنها لطف في الفرائض وتسهيل لها 338 - والحاصل أن المذهب المعتمد أن العبادة التي هي ذات أفعال [ ص: 160 ] يكتفي بالنية في أولها ، ولا يحتاج إليها في كل فعل اكتفاء بانسحابها عليها ، إلا إذا نوى ببعض الأفعال غير ما وضع له ، قالوا لو طاف طالبا لغريم لا يجزيه ، ولو وقف كذلك بعرفات أجزأه وقدمناه .

339 - والفرق أن الطواف عهد قربة مستقلة بخلاف الوقوف ، وفرق الزيلعي بينهما بفرق آخر ، وهو أن النية عند الإحرام تضمنت جميع ما يفعل في الإحرام فلا يحتاج إلى تجديد النية ، والطواف يقع بعد التحلل وفي الإحرام من وجه [ ص: 161 ] فاشترط فيه أصل النية لا تعيين الجهة ، وقالوا : لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض ، ولو طاف بعد ما حل النفر ، ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما في فتح القدير 340 - وهو مبني على أن نية العبادة تنسحب على أركانها 341 - واستفيد منه أن نية التطوع في بعض الأركان لا تبطله ، وفي القنية : وإن تعمد أن لا ينوي العبادة ببعض ما يفعله من الصلاة لا يستحق الثواب ، ثم إن كان ذلك فعلا لا تتم العبادة بدونه فسدت وإلا فلا ، وقد أساء ( انتهى )


( 334 ) قوله : ومن الغريب ما في المجتبى إلخ ، قيل : إن أراد الغرابة من حيث النقل فغير مسلم ، وإن أراد من جهة تفسير العبارة بما ذكر فهي بهذا التفسير للعلامة البقاعي في مناسباته عند قوله تعالى { { إياك نعبد } } ( انتهى ) . أقول : لم يرد واحدا [ ص: 159 ] منهما ، وإنما أراد أن الغرابة في كون هذه الأشياء لا بد من نيتها ، فإن الفقهاء لم يذكروا ذلك في كتبهم متونا وشروحا وفتاوى . ( 335 ) قوله : وينوي أنه يفعلها ، عطف على قوله : نية العبادة بعد تقدير السابك والسبك بالمصدر . ( 336 ) قوله : وأن يكون عطف على قوله : أنه يفعلها إلخ أي وينوي حينئذ كون فعلها أقرب إلى ما وجب عقلا وأبعد عما حرم إلخ عطف على أقرب أي وينوي كون فعلها أبعد . ( 337 )

قوله : وهو أن ينوي في النوافل أنهما لطف في الفرائض وتسهيل لها . أقول : إنما كانت النوافل لطفا في الفرائض ، باعتبار أنها مكملات وجوابر للفرائض فكانت رفقا في أدائها ; وقد ورد في الحديث { أن النوافل جوابر الفرائض } ، قال البيهقي : معناه أنها تجبر السنن التي في الفرائض إذ لا يمكن أن يعدل شيء من السنن واجبا أبدا بدليل قوله : ( وما تقرب إلي أحد بمثل أداء ما افترضت عليه ) . ( 338 ) قوله : والحاصل أن المذهب المعتمد أن العبادات ذات أفعال يكتفى [ ص: 160 ] بالنية في أولها . قال في فتح القدير : ومن مشكاة هذا الأصل ما قيل بإيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة ، وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله ولقائل أن يقول : لو كان بالعكس لكان أولى ; لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة وآكد ، بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد ، والذي يظهر في توجيه ذلك إن صح أن يقال : إن التلاوة من لوازم الصلاة فكان التالي عند نيتها يستحضرها وفي ذكره تعرض لها ، وليس السهو نفسه من لوازم الصلاة ، بل وقوعه فيها بخلاف الغالب ، فلم يكن في النية إيماء إليه ولا أذكار ، ونظير ذلك فدية المحظورات في الحج ، والعمرة فإنها لا بد لها من النية ، لا يقال : يكتفى بنية الإحرام ; لأنها ليست من لوازم الإحرام ولا من ضرورياته بخلاف طواف القدوم مثلا ، فإنه ، وإن لم يكن من ماهية الحج لكنه من لوازمه ; فلذلك لا تشترط له نية اكتفاء بنية الحج فهو نظير سجود التلاوة في الصلاة . ( 339 )

قوله : والفرق أن الطواف إلخ ، لك أن تقول : الفرق مسلم في نفسه لكن لا يدفع المحذور ، إذ يصدق على الوقوف لطلب الغريم أنه نوى غير ما وضع له ، فلا يغني في دفعه شيئا ، ويمكن الجواب بأن الاعتماد على الفرق المذكور أفاد أن المراد بقولهم نوى به غير ما وضع له وضعا مستقلا ، نعم يفهم منه أنه إذا نوى به غير ما وضع له وضعا غير مستقل لا يضره . [ ص: 161 ] قوله : وهو مبني إلخ ، قيل : في البناء عليه نظر ; لأن قضية الانسحاب على الأركان عدم اشتراط أصل النية في طواف الزيارة ، ولو سلم فلا ينتهض بالنسبة إلى طواف الصدر ; لأنه ليس من الأركان . ( 341 ) قوله : واستفيد منه أن نية التطوع في بعض الأركان لا يبطله ، قيل عليه : لا يخفى أن المذكور كون طواف الركن يتأدى بنية التطوع ، فإن أراد بقوله نية التطوع في بعض الأركان ، أي في حق بعض الأركان ، بمعنى أنه يتأدى بنية التطوع ، فهو المصرح به كما ترى ، وإن أراد أن نية التطوع في خلال بعض الأركان ، ففي استفادته منه نظر قد أساء

التالي السابق


الخدمات العلمية