الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال في السراجية : [ ص: 408 ] لا تجوز المناكحة بين بني آدم والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس ( انتهى ) . وتبعه في منية المفتي والفيض ، وفي القنية : سئل الحسن البصري رضي الله عنه عن التزويج بجنية فقال : يجوز بلا شهود ، ثم رقم آخر فقال : لا يجوز ، ثم رقم آخر : يصفع السائل لحماقته ( انتهى ) . وفي يتيمة الدهر في فتاوى أهل العصر : سئل علي بن أحمد عن التزويج بامرأة مسلمة من الجن ; هل يجوز إذا تصور ذلك أم يختص الجواز بالآدميين ؟ فقال : يصفع هذا السائل لحماقته وجهله . قلت : وهذا لا يدل على حماقة السائل وكان لا يتصور ; ألا ترى أن أبا الليث رحمه الله ذكر في فتاواه أن الكفار لو تترسوا بنبي من الأنبياء ، هل يرمى ؟ فقال يسأل ذلك النبي ،

8 - ولا يتصور ذلك بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم ، ولكن أجاب على تقدير التصور كذا هذا . وسئل عنها أبو حامد رحمه الله فقال لا يجوز ( انتهى )

9 - وقد استدل بعضهم على تحريم نكاح الجنيات بقوله تعالى في سورة النحل : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } أي [ ص: 409 ] من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم ، كما قال الله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي من الآدميين ( انتهى ) . وبعضهم استدل بما رواه حرب الكرماني في مسائله عن أحمد وإسحاق . قال : حدثنا محمد بن يحيى القطيعي : حدثنا بشر بن عمر بن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح الجن } ، 10 - وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء ، فروي المنع عن الحسن البصري وقتادة والحاكم بن قتيبة وإسحاق بن راهويه وعقبة بن الأصم رضي الله عنهم . فإذا تقرر المنع من نكاح الإنسي الجنية ; [ ص: 410 ]

11 - فالمنع من نكاح الجني الإنسية من باب أولى ، ويدل عليه قوله في السراجية : لا تجوز المناكحة ، وهو شامل لهما ،

12 - لكن روى أبو عثمان بن سعيد بن العباس الرازي في كتاب الإلهام والوسوسة فقال : حدثنا مقاتل عن سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن وقالوا : إن هنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال . فقال : ما أرى بذلك بأسا في الدين ،

13 - ولكن أكره إذا وجد امرأة حاملا قيل لها من زوجك قالت من [ ص: 411 ] الجن فيكثر الفساد في الإسلام بذلك ( انتهى )


[ ص: 408 ] قوله : لا تجوز المناكحة بين بني آدم والجن قيل وهل يجوز بشهادة الجن .

( 8 ) قوله : ولا يتصور ذلك بعد رسولنا . قيل : عدم التصور ممنوع فقد يتصور ذلك عقلا بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام

( 9 ) قوله : وقد استدل بعضهم على تحريم نكاح الجنيات بقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } قال بعض الفضلاء لم يتعقب المصنف ذلك ولي فيه نظر لأنه [ ص: 409 ] يرجع إلى الاستدلال بمفهوم الصفة وهو ليس بحجة عندنا فيحتاج القائل بعدم صحة نكاح الإنسي الجنيات إلى دليل واضح يصلح حجة لما ادعاه ، وقد ظهر لي على عدم صحة نكاح الإنسي الجنيات قرينة وهو أن نقول : الأصل في الفروج الحرمة إلا أن الشارع أذن في نكاح الإناث من بني آدم بقوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية ، والنساء اسم للإناث من بني آدم كما في آكام المرجان فبقي الإناث في غير بني آدم على أصل الحرمة ( انتهى ) . أقول المستدل بالآية شافعي لا حنفي وحينئذ لا يتم الاعتراض .

( 10 ) قوله : وهو وإن كان مرسلا إلخ . يجوز أن تكون الجملة الشرطية خبرا للمبتدأ والواو زائدة بينهما لتأكيد اللصوق ويجوز أن يكون الخبر قوله فقد تخلى والفاء زائدة في الخبر على ما يراه الأخفش والشرط على هذا لا يحتاج إلى الجزاء ، هذا وفيما ذكره المصنف نظر فإن المرسل حجة عندنا لكن في سند ابن لهيعة وهو ضعيف فكان ينبغي أن يعلله به لا بالإرسال . [ ص: 410 ]

( 11 ) قوله : فالمنع من نكاح الجني الإنسية من باب أولى . أقول هذا صريح في جعل المصدر في قول الزهري { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن } مضافا إلى مفعوله والفاعل محذوف والتقدير نهى عن نكاح الإنسي الجني مع احتمال أن يكون مضافا إلى فاعله والمفعول محذوف وكان مراده أن المنع عن نكاح الإنس الجنية ثبت بعبارة النص ، والمنع عن نكاح الجني الإنسية ثبت بدلالة النص ولا يتم هذا مع احتمال النص لهما كيف وإضافة المصدر إلى فاعله حقيقة وإضافته إلى مفعوله مجاز كما ذكره الشهاب السمين على أن في دعوى الأولوية نظرا بل هما سواء في المنع فإن علته عدم الجنسية وعبارة السراجية صريحة الدلالة على المساواة لا على الأولوية كما ادعاه فتأمل .

( 12 ) قوله : لكن روى أبو عثمان إلخ . استدراك على المنع من نكاح الجني الإنسية .

( 13 ) قوله : ولكن أكره إذا وجد امرأة إلخ . أقول في العبارة حذف والتقدير أكره ذلك لأنه إذا وجد امرأة إلخ فإذا هنا للتعليل لا للتعليق قال العلامة القرافي في كتاب الفروق وضابطه أمران : المناسبة وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه فيعلم أنه ليس بشرط ، مثاله قوله تعالى : { واشكروا له إن كنتم إياه تعبدون } والشكر واجب مع [ ص: 411 ] العبادة وعدمها ، ومعنى الكلام أنكم موصوفون بصفة تحث على الشكر وتبعث عليه وهو العبادة والتذلل فافعلوا ذلك فإنه متيسر لوجود سببه عندكم ( انتهى ) . فليحفظ فإنه قلما يباع لكثرة الانتفاع

التالي السابق


الخدمات العلمية