الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 41 ] القول في الشرط والتعليق

1 - التعليق : ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى . وفسر الشرط في التلويح بأنه تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة ( انتهى ) . وشرط صحة التعليق ; كون الشرط معدوما على خطر الوجود فالتعليق بكائن تنجيز وبالمستحيل باطل ، ووجود رابط حيث كان الجزاء مؤخرا وإلا يتنجز ، وعدم فاصل أجنبي بين الشرط والجزاء .

وركنه : أداة شرط وفعله وجزاء صالح ، فلو اقتصر على الأداة لا يتعلق ، واختلفوا في تنجيزه لو قدم الجزاء . الفتوى على بطلانه كما بيناه في شرح الكنز .

وما يقبل التعليق وما لا يقبله : تعليق التمليكات والتقييدات بالشرط باطل ; كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والهبة والصدقة والنكاح والإقرار والإبراء وعزل الوكيل وحجر المأذون والرجعة والتحكيم والكتابة والكفالة بغير الملائم والوقف في رواية والهبة بغير المتعارف ، وما جاز تعليقه [ ص: 42 ] بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد ; كطلاق وعتاق وحوالة وكفالة . ويبطل الشرط ، ولا يبطل الرهن والإقالة بالشرط الفاسد ، وتعليق البيع بكلمة ( إن ) باطل إلا إذا قال : بعت إن رضي أبي . ووقته كخيار الشرط وبكلمة ( على ) صحيح ، إن كان مما يقتضيه العقد أو ملائما له أو جرى العرف به أو ورد الشرع به أو كان لا منفعة فيه لأحدهما . وقد ذكرنا في مداينات الفوائد ما خرج عن قولهم : لا يصح تعليق الإبراء بالشرط ، وفي البيوع ثلاثين مسألة يجوز تعليقه فيها ، 2 - وجملة ما لا يصح تعليقه ويبطل بفاسده ثلاثة عشر : البيع والقسمة .

3 - والإجارة [ ص: 43 ] والرجعة .

5 - والصلح عن مال والإبراء والحجر .

6 - وعزل الوكيل في رواية وإيجاب الاعتكاف والمزارعة والمعاملة والإقرار [ ص: 44 ] والوقف ، في رواية . وما لا يبطل بالشرط الفاسد : الطلاق والخلع والرهن والقرض 8 - والهبة والصدقة والوصاية والوصية .

9 - والشركة والمضاربة والقضاء والإمارة والكفالة والحوالة والإقالة .

10 - والغصب والكتابة [ ص: 45 ] وأمان القن ودعوة الولد والصلح عن القصاص وجناية غصب وعهد ذمة ووديعة وعارية . إذا ضمنها رجل وشرط فيها كفالة أو حوالة .

12 - وتعليق الرد بعيب .

13 - أو بخيار شرط وعزل قاض .

14 - والتحكيم .

15 - عند محمد رحمه الله تعالى ، وتمامه في جامع الفصولين والبزازية


[ ص: 41 ] قوله : التعليق ربط حصول مضمون جملة إلخ . أقول : فرق الزركشي في قواعده بين التعليق والشرط بفرق غير هذا فقال الفرق بين التعليق والشرط أن التعليق داخل على أصل الفعل بأداته ك ( أن وإذا ) والشرط ما جزم فيه بالأصل أي أصل الفعل وشرط فيه أمر آخر وإن شئت فقل في الفرق : إن التعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بأن أو إحدى أخواتها والشرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة [ ص: 42 ] قوله : وجملة ما لا يصح تعليقه ويبطل بفاسده ثلاثة عشر إلخ . أقول فيه : إن البيع المقرون بالشرط الفاسد فاسد لا باطل . قال في المجمع ويفسد يعني البيع بشرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد ( انتهى ) . ومعلوم أن الفاسد غير الباطل عندنا اللهم إلا أن يحمل على ما إذا ذكر بحرف الشرط كما إذا قال بعت إن كنت تعطيني كذا أما إذا قال بعت على أن تعطيني كذا ففاسد لا باطل كما في المنتقى .

واعلم أنه ذكر في جامع الفصولين أن تعليق القبول في المبيع بعد ما أوجب الآخر هل يصح ؟ ذكر أنه لو قال : إن أديت ثمن هذا فقد بعت منك صح البيع استحسانا إن دفع الثمن إليه وقيل هذا خلاف ظاهر الرواية والصحيح أنه لا يجوز .

( 3 ) قوله : والإجارة . بالراء وكذا الإجازة بالزاي كما في الكنز قال شارحه العيني : ; لأنها بيع معنى .

قال المصنف في البحر وظاهره تخصيص إجازة البيع وظاهر كلام المصنف يعني صاحب الكنز ; لأن إجازة كل شيء لا يصح تعليقها حتى النكاح ويدل عليه ما في جامع الفصولين والبزازية . وتعليق الإجازة بالشرط باطل كقوله إن [ ص: 43 ] زاد فلان في الثمن فقد أجزت ولو زوج بنته بالغة بلا رضاها فبلغها الخبر فقالت : أجزت إن رضيت أمي بطلت الإجازة إذ التعليق يبطل الإجازة اعتبارا بابتداء العقد ( انتهى ) .

أقول : يخالفه ما في القنية في باب البيع الموقوف قال : باعني فلان عبدك بكذا فقال : إن كان كذا فقد أجزته أو فهو جائز جاز إن كان بكذا أو بأكثر من ذلك النوع : ولو أجاز بثمن آخر بطل . وعن ابن سلام لا يعتبر العلم بالثمن ; لأنه ماض ، وقيل : إذا كان مما يتغابن فيه .

( 4 ) قوله : والرجعة كذا في غير كتاب . قال المصنف في البحر : وهو خطأ فقد ذكر في الظهيرية والجوهرة والبدائع والتتارخانية أن الرجعة لا يصح تعليقها بالشرط ولا إضافتها ولم يذكر أنها تبطل بالشرط الفاسد وكيف يصح أن يقال به ، وأصل النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ومما يدل على بطلان قول المصنف ومن وافقه ما في البدائع من كتاب الرجعة أنها تصح مع الإكراه والهزل واللعب والخطأ كالنكاح ( انتهى ) .

فلو كانت تبطل بالشرط الفاسد لم تصح مع الهزل ; لأن ما يصح مع الهزل لا تبطله الشروط الفاسدة وما لا يصح مع الهزل تبطله كما ذكره الأصوليون .

( 5 ) قوله : والصلح عن مال والإبراء . أي عن الدين لا يصح تعليقه بشرط غير متعارف أما بالشرط المتعارف فيصح تعليقه كما حققه المصنف في البحر وقيدنا بالدين ; لأن الإبراء عن الكفالة يصح تعليقه بالشرط الملائم وهو قول البعض واختاره في الفتح .

( 6 ) قوله : وعزل الوكيل . قال المصنف في البحر بعد كلام : إن عزل الوكيل ليس من هذا القبيل وهو ما لا يبطل بالشرط الفاسد وإنما هو من قبيل ما لا يصح تعليقه بالشرط ولكن لا يبطل بالشرط الفاسد ولهذا اقتصر في البزازية من كتاب الوكالة على أنه لا يصح تعليقه ولم يذكر أنه يبطل بالشرط الفاسد فهو كما قدمناه في [ ص: 44 ] الرجعة وقد ذكر في جامع الفصولين عزل الوكيل من قسم ما لا يصح تعليقه ويبطل بفاسده لكن قال في رواية وفي البزازية : وتعليق عزل الوكيل بالشرط يصح في رواية الصغرى ولا يصح في رواية السرخسي والدليل عليه أنهم قالوا : إن الذي يبطل بالشرط الفاسد ما كان من باب التمليك والعزل ليس منه وهذا هو الحق فيجب إلحاقه بقسم ما لا يصح تعليقه بالشرط لكن يبطل بالشرط الفاسد وأرجو من كرم الفتاح الظفر بالنقل في المراجعة ( انتهى ) .

( 7 ) قوله : والوقف في رواية . كذا في جامع الفصولين وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الله الغزي صاحب التنوير عن تعليق الوقف بالشرط فأجاب بأن الوقف لا يصح تعليقه على الرواية المشهورة المعول عليها .

أقول وإنما كان المعول عليها لمشي أصحاب المتون عليها إذ هو تصحيح التزامي .

( 8 ) قوله : والهبة .

في العمادية : تعليق الهبة بالملائم يصح كوهبتك على أن تعوضني كذا فإن كان مخالفا صحت الهبة وبطل الشرط ( انتهى ) . ومنه يعلم ما في كلام المصنف من الخلل .

( 9 ) قوله : والشركة . أي لا تبطل بالشرط الفاسد أقول في منية المفتي الشركة تبطل ببعض الشروط الفاسدة ولا تبطل بالبعض حتى لو اشترط التفاضل في الوضيعة لا تبطل وتبطل باشتراط ربح عشره لأحدهما وإن كان كلاهما شرطا فاسدا ( انتهى ) . ومنه يعلم ما في إطلاق المصنف من عدم البطلان بالشرط الفاسد .

( 10 ) قوله : والغصب . أي : لا يبطل بالشرط الفاسد أقول ينظر صورة عدم بطلانه بالشرط الفاسد . [ ص: 45 ] قوله : وأمان القن . أقول في السير الكبير لمحمد بن الحسن تعليق الأمان بالشرط جائز بدليل أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم { حين أمن خيبر علق أمانهم بكتمانهم شيئا وأبطل أمان آل أبي الجعد بكتمانهم الحلي } ( انتهى ) ومنه يعلم أن القن ليس قيدا .

( 12 ) قوله : وتعليق الرد بعيب . أي : بشرط فاسد .

( 13 ) قوله : أو بخيار شرط . أي وتعليق الرد بخيار شرط بشرط فاسد .

( 14 ) قوله : والتحكيم . أي وتعليق التحكيم بشرط فاسد .

( 15 ) قوله : عند محمد ; لأنه لإطلاق الولاية عنده فلا يبطل بالتعليق وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يبطل بالتعليق ; لأنه تمليك الولاية والتمليكات تبطل بالتعليق

التالي السابق


الخدمات العلمية