الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 85 - 86 ] ما افترق فيه سجدة السهو والتلاوة

1 - هو سجدتان .

2 - وهي واحدة ، [ ص: 87 ] هو في آخر صلاته بعد السلام .

4 - وهي فيها .

5 - هو لا يتكرر .

6 - بخلافها ، لا يقوم له .

7 - ويقوم لها ، يتشهد له ويسلم بخلافهما ، [ ص: 88 ] الذكر المشروع في سجود التلاوة لا يشرع فيه . ما افترق فيه سجود التلاوة والشكر : سجود الشكر لا يدخل الصلاة بخلافها ، واتفقوا على وجوب سجدة التلاوة بخلاف سجدة الشكر . فإنها جائزة عند أبي حنيفة رحمه الله . [ ص: 89 ] لا واجبة .

10 - وهو معنى ما روي عنه أنها ليست مشروعة ; أي : وجوبا .


[ ص: 86 ] قوله : هو سجدتان أي : سجود السهو سجدتان يكبر لكل واحدة منهما بعد السلام الأول كما قال القدوري وهو الصحيح كما في الهداية وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلاة : أنه لو سلم بتسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك . وقال بعضهم : يسلم بتسليمتين وفي الظهيرية : هو الصحيح . وقال بعضهم : يسلم مرة تلقاء وجهه ثم اعلم أن سلام من عليه السهو يخرجه من الصلاة عندهما ، وإذا كان يخرجه من الصلاة كانت القعدة الأولى قعدة الختم فيصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو بحاجته ليكون خروجه منها بعد الفراغ من الأركان والسنن والأذان . وعند محمد سلام من عليه السهو لا يخرجه من الصلاة فيؤخر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى قعدة سجدتي السهو فإنها هي الأخيرة . وهذا الاختلاف إنما يظهر إذا ضحك بعد السلام قبل سجود السهو فإنه لا تنتقض طهارته عندهما ، وعند محمد تنتقض ، والأحوط أن يصلي في القعدتين كما في الظهيرية .

وقال شمس الأئمة الحلواني : القعدة بعد سجدتي السهو ليست بركن وإنما أمر بها بعد سجدتي السهو ليقع ختم الصلاة بها ليوافق موضع الصلاة ، فأما أن يكون ركنا فلا حتى لو تركها . بأن سجد سجدتين بعد التسليم ثم قام وذهب لم تفسد صلاته وذكر شمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي : إذا سها عن قراءة التشهد في القعدة الأخيرة حتى سلم ثم تذكر فإنه يعود إلى قراءة التشهد . واذا عاد إلى قراءة التشهد هل ترفض القعدة كما رفض إذا عاد في سجدة التلاوة ، والصلاتية ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الفضل في فتاواه : أنه لا تفرض القعدة . وفي واقعات الناطفي : والفتوى على هذا كذا في التتارخانية .

( 2 ) قوله : وهي واحدة إلخ أي : سجود التلاوة ، وأنث الضمير مراعاة للخبر أو لاكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث . وركنها وضع الجبهة على الأرض ; لأنها به [ ص: 87 ] توجد . وشرائط جوازها شرائط جواز الصلاة من طهارة البدن عن الحدث والخبث ، وطهارة الثوب والمكان من النجاسة وستر العورة واستقبال القبلة . وفي العتابية : هو المختار . وفي الخانية : ولو سجد سجدة التلاوة إلى غير القبلة جاهلا . قال في الكتاب : يجزيه إن كان متحريا وفي الهداية : ومن أراد السجود كبر ورفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه ولا تشهد عليه ولا سلام ( انتهى ) . وفي فتاوى الحجة وقال بعض المشايخ لو سجد ولم يكبر يخرج عن العهدة . قال في فتاوى الحجة : وهذا يعلم ولا يعمل به لما فيه من مخالفة السلف .

وفي الظهيرية : ولو تذكر سجدة التلاوة في آخر الصلاة وسجد لها هل يلزمه سجود السهو بهذا التأخير نص عصام أنه يلزمه . ( 3 ) قوله : هو في آخر صلاته بعد السلام . يعني سواء كان من زيادة أو نقصان على الصحيح ولو سجد قبل السلام أجزأه عندنا في رواية الأصول . وروي عنهم أنه لا يجزيه .

( 4 ) قوله : وهي فيها أي : سجود التلاوة في الصلاة . وأنث الضمير الراجع إليه لاكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث . وفيما ذكره نظر ; لأن سجود التلاوة لا يتقيد بأن يكون في الصلاة بل كما يكون في الصلاة يكون خارجها على أن ما يكون في الصلاة صادق بما يكون في آخر الصلاة ، وما يكون في أثنائها اللهم إلا أن يقال المراد المفارقة بين سجود السهو وسجود التلاوة إذا وجد موجبه في الصلاة .

( 5 ) قوله : هو لا يتكرر أي : سجود السهو . قال في الخلاصة : لو سها في صلاته مرارا تكفيه سجدتان قل ذلك أو كثر .

( 6 ) قوله : بخلافها سجود التلاوة يعني تتكرر إذا لم يتحد المجلس .

( 7 ) قوله : ويقوم لها إلخ أي لسجدة التلاوة استحبابا . قال في الظهيرية : [ ص: 88 ] والمستحب أنه إذا أراد أن يسجد يقوم ثم يسجد . وإذا رفع رأسه من السجدة يقوم ثم يقعد .

( 8 ) قوله : الذكر المشروع في سجود التلاوة ولا يشرع فيه إلخ أي : في سجود السهو . قال في الفتاوى الظهيرية : وماذا يقول في هذه السجدة الأصح أنه يقول في هذه الصلاة من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة . وبعض المتأخرين استحسنوا قول { سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } . وروي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم { أنه كان يقول في سجوده إذا سجد للتلاوة سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته } " وقد جاء في الأخبار : أن { رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت في المنام كأني أقرأ سورة ص تحت شجرة فلما بلغت آية السجدة خرت الشجرة فسمعتها تقول في السجود : اللهم اكتب لي بها عندك أجرا ، وضع عني بها وزرا واجعل لي بها عندك ذخرا . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ذلك إذا قرأ سورة ص سجد . وقال في سجوده مثل ما حكى له ذلك الرجل عن الشجرة } ( انتهى ) .

وقوله : لا يشرع ، فيه نظر فإن الذكر المشروع في سجدة التلاوة وهو سبحة السجود كما في النقاية ، أي سبحان ربي الأعلى ثلاثا ولا شبهة في أنه مشروع في سجدتي السهو كما صرحوا به . واعلم أنه يزاد على ما ذكر أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة في الصلاة . وكذا السجدة الصلاتية إن نوى بها سجود التلاوة . وكذا الركوع خارجها في غير ظاهر الرواية بخلاف سجود السهو . وكان على المصنف أن يذكر ما افترق فيه سجود التلاوة . والصلاة على الجنازة وذلك أن المرأة تصلح إماما للرجل في سجدة التلاوة دون صلاة الجنازة ومما اشتركا فيه أن المحاذاة لا تفسدهما . [ ص: 89 ] قوله : لا واجبة . قيل : عليه هذا مشكل فإن الخلاف الثابت بين الإمام وصاحبيه بل على هذا يرفع الخلاف .

( 10 ) قوله : وهو معنى ما روي عنه أنها ليست مشروعة أي وجوبا . أقول : روي عن إبراهيم النخعي أنه يكره سجدة الشكر . وعن محمد : أن الإمام كان لا يراها شيئا . وفي القدوري عن الإمام أنه يكره سجدة الشكر ، يعني ; لأن النعم كثيرة لا يمكن أن يسجد لكل نعمة فيؤدي إلى تكليف ما لا يطاق . وقال محمد رحمه الله : نحن لا نكرهها . وتكلم المتقدمون في معنى قول محمد وكان الإمام لا يراها شيئا قال بعضهم : لا يراها سنة . وقال بعضهم : لا يراها شكرا تاما فتمام الشكر أن يصلي ركعتين كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة ، ولم يذكر محمد قول أبي يوسف رحمه الله في شيء من الكتب .

وذكر الإمام علي السعدي في شرح كتاب السير قول أبي يوسف مع محمد قال في فتاوى الحجة : وقد وردت فيه روايات كثيرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعن الصحابة والصالحين ، فروي { أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما أوتي برأس أبي جهل لعنه الله تعالى يوم بدر وألقي بين يديه سجد لله خمس سجدات شكرا } . فلا تمنع العباد عن سجدة الشكر لما فيه من الخضوع والتعبد وعليه الفتوى ، وتفسيره كما في المصفى أن يكبر مستقبل القبلة فيقول ساجدا : الحمد لله ويسبح ثم يكبر تكبيرة عند رفع رأسه كما في التتارخانية . وفي المجمع وشرحه الملكي " وسجدة الشكر غير مشروعة " . يعني ليست بقربة عند أبي حنيفة بل مكروهة لا يثاب عليها . وقالا : قربة يثاب عليها وثمرة الخلاف تظهر فيمن تيمم لسجدة الشكر ، تجوز الصلاة بذلك التيمم عندهما ولا تجوز عنده لهما ما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا رأى مبتلى أو سمع ما يسره يسجد لله شكرا . وله أن التقرب بالركعة الواحدة منهي عنه فلا يتقرب بما دونها . وما روياه كان في الابتداء ثم نسخ بالنهي عن البتراء ( انتهى ) .

وفي القنية : السجدة التي تقع عقيب الصلاة مكروهة ; لأن الجهال إذا رأوها اعتقدوها سنة أو واجبة ، وكل ما يؤدي إلى هذا فهو مكروه كتعيين السورة [ ص: 90 ] للصلاة وتعيين القراءة لوقت ونحوه ، فحينئذ يكره أن يسجد شكرا بعد الصلاة في الوقت الذي يكره فيه النفل ولا يكره في غيره ( انتهى ) . وذكر في التهذيب : " لو قال : لله علي سجدة لا يلزمه شيء إلا أن يقول لله علي سجدة التلاوة ; لأن السجدة المطلقة لم يرد بها الشرع . ولهذا قال الإمام أبو حنيفة سجدة الشكر مكروهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية