الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 147 ] فائدة ) : ذكر الآمدي 1 - أن شروط الإمامة المتفق عليها ثمانية :

الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، وأن يكون بصيرا بأمر الحروب وتدبير الجيوش ، وأن تكون له قوة بحيث لا تهوله إقامة الحدود وضرب الرقاب وإنصاف المظلوم من الظالم ، وأن يكون عدلا ورعا ، بالغا ذكرا حرا ، نافذ الحكم ، مطاعا ، قادرا على من خرج عن طاعته . وأما المختلف فيها فكونه : قرشيا وهاشميا ومعصوما وأفضل أهل زمانه ، ذكره الأبي من كتاب الإمامة .

فائدة : كل إنسان غير الأنبياء لم يعلم ما أراد الله تعالى له وبه ; لأن إرادته غيب عنا ، إلا الفقهاء فإنهم علموا إرادته تعالى بهم بخبر الصادق المصدوق ; بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ( { فمن يرد الله تعالى به خيرا يفقهه في الدين } ) كذا في أول شرح البهجة للعراقي .


[ ص: 146 - 147 ] قوله : إن شروط الإمامة المتفق عليها ثمانية إلخ أقول : في دعوى الاتفاق على هذه الثمانية نظر . فقد ذكر الطرسوسي في كتابه تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك قال الإمام وأصحابه : لا يشترط في صحة تولية السلطان أن يكون قرشيا ولا مجتهدا ولا عدلا ، بل يجب التقليد من السلطان العادل والجائر ، وأصله قصة معاوية رضي الله عنه فإن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوا من معاوية الأعمال بعدما أظهر الخلاف مع علي رضي الله عنه في نوبته . ثم قال بعد أن نقل عن الشافعية اشتراط هذه الشروط وهذا لا يوجد في الترك ولا في العجم فلا تصح سلطنة الترك عندهم ولا يصح توليتهم للقضاء من الترك على مذهبهم . وفي هذا القول من الفساد ما لا يخفى وفيه من الأذى للسلطان وصرف الرعية عنه ومبايعة الجند له ما لا يخفى . ولهذا قلنا إن مذهبنا أوفق للترك من مذهب الشافعية ( انتهى ) . وفي سياسة الدنيا والدين لسعيد بن عمر الأقصراني [ ص: 148 ] الشروط التي تقتضي الصلاحية للإمامة نوعان : فنوع يشترط للجواز ونوع يشترط للاستحباب والفضيلة . فشرط للجواز ما يشترط للشهادة مع التدبر والشجاعة والشهامة ثم الكلام فيه متنوع إلى نوعين : نوع يرجع إلى نفسه ونوع يرجع إلى نسبه . فنبدأ بالكلام في النسب فنقول : أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك فروى الإمام أنه قال : الأصل أن يكون من قريش وبه قال جميع أهل الحديث والشافعي : وقال الروافض : يجب الاقتصار على بني هاشم وعينوا عليا وأولاده وهذا القول باطل بإجماع الصحابة على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان .

وقال ضرار بن عمر الغطفاني : لا فرق بين ما إذا كان قريشيا أو عبدا حبشيا ، ولا مزية ولا فضيلة لأحدهما على الآخر وهو باطل إذ لا شبهة في فضل القريشي ومزيته على غيره ( انتهى ) .

أقول : نقل التقي السبكي في فتاواه عن ضرار بن عمر الغطفاني ما هو أبدع وأعجب مما ذكر وهو أنه إذا اجتمع قرشي وحبشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة فالواجب تقديم الحبشي ; لأنه أسهل لخلعه إذا عاد من طريقه ( انتهى ) . والأصل أن يكون قرشيا ويجب الاقتصار على القرشي وإن عقد العقد لغير القرشي لا يجوز ; لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نص على قريش حيث قال : " { الأئمة من قريش } " واحتج المخالف بما روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : " { أطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي ما حكم بكتاب الله فيكم } " فحمل الإمام الحديث الأول على الوجوب وما روى المخالف على ما إذا أنفذ الإمام سرية أو جيشا وأمر عليهم أميرا ، يجب على العسكر أن يطيعوه في أمر الحرب عملا بالدلائل بقدر الإمكان . هذا هو الكلام في نسبه ، أما الكلام في صفاته فقد بينا أنه يشترط للجواز ما يشترط للشهادة عندنا وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما . وقال الشافعي رحمه الله : يضم إلى هذه الأوصاف كونه عدلا حتى لو كان [ ص: 149 ] يرتكب نوعا من الفسق فإنه لا يجوز . وهذا القول يجب المصير إلى خلافه ، فإنه عنده لو اغتاب الإمام يفسق وإذا فسق بطلت إمامته عنده فلا تصح قضاياه ولا توليته ولا قسمته ولا تجب طاعته ولا يصح في الأقطار إنابته ولو أقام حدا لم يكن إليه إقامته . وعن هذا النوع من الفسق لا يخلو أحد سيما في زماننا ، ولو خلي عن التكلم لا يخلو عن الاستماع ولو خلي عنهما لا يخلو عن غيرهما فيؤدي إلى فساد أمر العالم والوقوع في الحرج ( { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ) كيف وقد خرج لمن هذه صفته توقيع هذه الولاية من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " { سيليكم بعدي ولاة فيليكم البار ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا وأطيعوا في كل ما وافق الحق فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم } " .

فالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم علم أن الأمة ضعاف لا يقدر كل واحد منهم أن ينزجر عن كل فسق في العالم فأخبر بما أخبر وأمرنا بأن نسمع ونطيع أوامره للوجوب هذا إذا كان مستورا متحاشيا ، أما إذا كان معلنا بالفسق فلا يكون من أهل الإمامة كما في الشهادة .

وأما شرائط الاستحباب فقال الشيخ أبو منصور الماتريدي : ينبغي من طريق الدين أن يعقد هذا العقد العالم التقي الوارع الأريحي البصير بالأمور العالم بمصالح الجمهور المجرب لأمور الحرب الخبير بالطعن والضرب ، فيدعو إلى المكارم ويزجر الناس عن الفواحش والقبائح ، وهذا ; لأن الإمامة [ ص: 150 ] أصل من أصول الدين مشوب بالملك والسياسة فينبغي أن ينظر فيه إلى جانب التقوى ، وبذلك نطق الكتاب المجيد ( { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ) ولأنها ولاية على الأموال والأبضاع والحدود وبذل المجهود ، فلا يقوم بالوفاء بها إلا من عظم قدره وورعه وتقواه وكرم خلقه فطابت أرومته وشرفت جرثومته ، فيجب أن يكون فيها من اتصف بهذه الصفات واتسم بهذه السمات فتميل إليه القلوب وتخضع له الرقاب فتحصل المصالح الدينية والدنيوية فيلم الشعث ويشد الفتق ويكبت الحاسد ويقمع المعاند والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية