الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 9 ] 1 - قال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، 2 - على ما أنعم .


[ ص: 9 ] قال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله . إخبار صيغة ، إنشاء معنى . ولا محذور في عدم محموديته في الأزل بما أنشأه العباد من المحامد ، وإنما المحذور عدم اتصافه بما يحمدونه من الكمالات وهو غير لازم . وبهذا التقرير يسقط ما قيل أنه يلزم على كونه إنشاء انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود ( انتهى ) .

على أن اللازم من المقارنة انتفاء وصف الواصف المعين لا الاتصاف واختار المصنف ( رحمه الله ) الجملة الاسمية على الفعلية وإن كان استعماله في الإنشاء أقل من القليل لإفادتها الثبات والدوام كما قيل وفيه أنه إن أريد دوام الإنشاء أو المنشأ كالثناء فهو غير ثابت أو متعلق إنشاء الاتصاف بالجميل فدوام ذلك إنما يستفاد بطريق الإخبار والغرض الإنشاء ويجاب بأن المراد إنشاء نسبة الاتصاف بالجميل على الدوام بأن ينسب إليه الاتصاف بذلك ولا نسلم أن قصد الإنشاء ينافي إفادة الجملة الدوام فليتأمل في هذا المقام . ( 2 )

على ما أنعم : قيل إن كانت جملة الحمد خبرية فينبغي أن يتعلق قوله على ما أنعم بأحد ثلاثة أمور : إما بالمبتدأ وهو الحمد والمعنى كل حمد على أنعامه ولأجله ، أو جنس الحمد على أنعامه ولأجله ملك أو مستحق لله ، وهذا المعنى مما لا شبهة في صحته إلا أنه لا فائدة في الإخبار به لأنه معلوم فإن ثبوت كل حمد أو جنس الحمد [ ص: 10 ] على أنعام الله لله مما لا يخفى على أحد ( انتهى ) .

( أقول لقائل أن يقول سلمنا أن الإخبار بذلك مما لا يخفى على أحد لعلمه بذلك لكن لا نسلم أن ذلك محذور مانع من كون الجملة حمدا ألا ترى أنك لو قلت اللهم أنت ربي أو خالقي أو نحو ذلك مما ورد في السنة كان ذلك معلوما لكل واحد لا يخفى عليه ومع ذلك يترتب عليه مقتضاه من حصول الثواب وكذا قولك أنت السميع البصير ونحوه بل يكون ذلك حمدا له فإن كان فيما ذكر خصوصية يترتب عليها ذلك المقتضى فلتكن هذه الخصوصية موجودة في قولنا الحمد لله على ما أنعم .

وكم في السنة الشريفة من جمل معلومة لكل أحد بل بالضرورة وأمر الشارع بها ليترتب عليها مقتضاها ( والثاني بالحمد اللازم لهذا الخبر كأنه قيل حمدي اللازم من هذا الخبر لأجل إنعامه ) .

أقول : لك أن تقول فيه ارتكاب خلاف ما هو المشهور بينهم من أن الجار والمجرور لا بد له من لفظ يتعلق به وظاهر أن الحمد اللازم من هذا الخبر ليس هو بلفظ وإنما هو مجرد معنى لزم من المعنى الخبري ويفهم من قوة الكلام أن المحمود عليه هو قوله على ما أنعم ( ولك أن تقول جاز أن يكون المحمود عليه في ذلك هو الذات أو الصفات الذاتية ) وكأنه قال حمدي اللازم من هذا الخبر لأجل الإنعام صادر في مقابلة الذات العلية والصفات الذاتية ( ولا يقال أن صدوره لأجل الإنعام ينافي أن يكون في مقابلة الذات ) لأنا نقول لا نسلم ذلك فقد صرح المحققون أن المحمود عليه ليس باعثا حقيقيا على الحمد ( والثالث ) تعلقه بخبر المبتدأ ، أعني لله مع حمل أل على الجنس ، وأما تعلقه بخبر المبتدأ أعني لله مع حمل أل على الاستغراق فلا ينبغي جوازه إذ المعنى حينئذ أن كل حمد مملوك أو مستحق لأجل إنعامه وقضيته انحصار علة مملوكية الحمد أو استحقاقه في الإنعام وليس كذلك إذ غير الإنعام كالذات وصفاتها الذاتية تكون علة أيضا لما ذكر بخلاف ما ذكر مع حمل أل على الجنس ، إذ ملك جنس الحمد واستحقاقه لأجل الإنعام لا ينافي ملكه واستحقاقه لغيره أيضا وكذا تعلقه بمحذوف على أنه خبر .

ولله صلة المبتدأ مع حمل أل على الاستغراق أيضا إذ المعنى حينئذ كل حمد لله كائن لأجل إنعامه وليس كذلك إذ بعض الحمد كائن لأجل غير الإنعام كالذات والصفات بخلاف ذلك مع حمل أل على الجنس كما تقدم وإن كانت إنشائية ينبغي تعلق الظرف بمضمون الجملة وكأنه قيل أصف الله سبحانه بمالكيته كل وصف جميل أو جنسه لأجل إنعامه أو باستحقاق ذلك [ ص: 10 - 11 ] والاختصاص به بمعنى أن كل وصف بجميل أو جنس ذلك لأجل الإنعام أصفه تعالى بمالكيته أو استحقاقه والاختصاص به لأجل إنعامه .

وبالمبتدأ والمعنى حينئذ أصفه بمالكيته كل وصف بجميل أو جنسه لأجل إنعامه أو باستحقاق ذلك أو لاختصاص به بمعنى أن كل وصف بجميل أو جنس ذلك لأجل إنعامه أصفه تعالى بمالكيته أو استحقاقه أو الاختصاص به ولا إشكال في صحته وحسنه .

( انتهى ) والفرق بين المعنيين دقيق أشار إليه بقوله بمعنى أن كل وصف بجميل أو جنس ذلك لأجل الإنعام أصف الله تعالى بمالكيته إلى آخره .

فتأمل حق التأمل .

ولا يخفى أنه يلزم على تعلقه بالمبتدأ الإخبار عن المصدر قبل أن يكمل يعني يذكر متعلقه وهو لا يجوز .

عارضه فيه على ذلك الزركشي في شرح تلخيص المفتاح واختار أنه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر أو بمحذوف يدل عليه الحمد أي نحمده على ما أنعم .

وفي حواشي المولى علاء الدين في مصنفه على المطول أن الظاهر أن الظرف مستقر خبر بعد خبر ليظهر تحقق الاستحقاقين لا لغو متعلق بالحمد فصل بينه وبين عامله تنبيها على أن الاستحقاق الذاتي أقدم من الوصفي كما قيل فتدبر .

وما مصدرية لا موصول اسمي وهو المختار وعلى ما قيل يجوز جعلها تعليلية ويجوز جعلها للمصاحبة وبمعنى في وبمعنى مع ويمكن جعلها للاستعلاء إشارة إلى تفخيم الحمد ( انتهى ) .

( أقول ) أما الأول فظاهر وأما الثاني فبعيد وأما الثالث فغير صحيح إذ لا معنى لجعل الحمد مظروفا على الإنعام وأما الرابع فإن لم يكن عين الثاني فهو قريب منه وأما الخامس فنظر فيه بعض العلماء بأن الحمد من جملة النعم وبأن إرادة الاستعلاء على الإنعام مخل بالبلاغة في هذا المحل ولهذا كانت النعمة في الغالب إذا ذكرت مع الحمد في القرآن لم تقترن بعلى وحيث أشير إلى ذكر النعمة أتي بعلى { كقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره الحمد لله على كل حال } إشارة إلى ستر النعمة واستيلاء الحمد عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية