الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 193 ] القاعدة الثالثة اليقين لا يزول بالشك )


قوله : اليقين لا يزول بالشك ، قيل : لا شك مع اليقين فكيف يرتفع ما لا وجود له ويمكن أن يقال : الأصل اليقين لا يزيله شك طارئ عليه ، ثم اليقين طمأنينة القلب على حقيقة الشيء : يقال : يقن الماء في الحوض إذا استقر فيه والشك لغة مطلق التردد وفي اصطلاح الأصول استواء طرفي الشيء ، وهو في الوقوف بين الشيئين ، بحيث لا يميل القلب إلى أحدهما ، فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن ، فإن طرحه فهو غالب الظن ، وهو بمنزلة اليقين ، وإن لم يترجح فهو وهم ، وأما عند الفقهاء فهو كاللغة في سائر الأبواب ، لا فرق بين المساوي والراجح كما زعم النووي ، ولكن هذا إنما قالوه في الأحداث ، وقد فرقوا في مواضيع كثيرة بينهما ، ولبعض متأخري الأصوليين عبارة أخرى ، أو جزء مما ذكرناه مع زيادة على ذلك ، وهي أن اليقين جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل القطعي ، والاعتقاد جزم القلب من غير استناد إلى الدليل القطعي كاعتقاد العاصي ، والظن تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر ، ، والوهم تجويز أمرين أحدهما أضعف من الآخر والشك تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر ( انتهى ) .

اعلم أن الشك على ثلاثة أضرب : شك طرأ على أصل حرام ، وشك طرأ على أصل مباح ، وشك لا يعرف أصله ، فالأول ، مثل : أن يجد شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا تحل ، حتى يعلم أنها ذكاة مسلم ; لأن أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة ، فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للطهورية ، والثاني : أن يجد ماء متغيرا واحتمل تغيره بنجاسة ، أو طول مكث ، يجوز التطهير به عملا بأصل الطهارة . والثالث : مثل معاملة من أكثر ماله حرام ولم يتحقق المأخوذ من ماله عين الحرام فلا تحرم مبايعته لإمكان الحلال وعدم التحريم ، ولكن يكره خوفا من الوقوع في الحرام ، كذا في فتح القدير . هذا وقد نقضت هذه القاعدة بالمسألة الأصولية ، وهو جواز نسخ القرآن بخبر الواحد ، والجواب أنه لم يرد باليقين القطع بل إن الشيء الثابت بشيء لا يرتفع إلا بمثله ، والنص وخبر الواحد سواء في وجوب العمل ، وهو كاف في الأحكام ، كذا في قواعد الزركشي

التالي السابق


الخدمات العلمية