الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قاعدة هل 91 - الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على عدم الإباحة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله ، أو التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة ونسبه الشافعية إلى أبي حنيفة رحمه الله وفي البديع المختار أن لا حكم للأفعال قبل الشرع [ ص: 224 ] والحكم عندنا ، وإن كان أزليا فالمراد به هنا عدم تعلقه بالفعل قبل الشرع فانتفى التعلق لعدم فائدته ( انتهى ) .

وفي شرح المنار للمصنف : الأشياء في الأصل على الإباحة عند بعض الحنفية ، ومنهم الكرخي 93 - وقال بعض أصحاب الحديث : الأصل فيها الحظر 94 - وقال أصحابنا : الأصل فيها التوقف بمعنى أنه لا بد لها من [ ص: 225 ] حكم لكنا لم نقف عليه بالعقل ( انتهى ) . وفي الهداية من فصل الحداد : إن الإباحة أصل ( انتهى ) ، ويظهر أثر هذا الاختلاف في المسكوت عنه ويتخرج عليها ما أشكل حاله فمنها الحيوان المشكل أمره 95 - والنبات المجهول اسمه ( ومنها ) إذا لم يعرف حال النهر هل هو مباح ، أو مملوك ( ومنها ) لو دخل برجه حمام وشك هل هو مباح ، أو مملوك 96 - ( ومنها ) مسألة الزرافة مذهب الشافعي رحمه الله القائل بالإباحة " الحل في الكل " ، وأما مسألة الزرافة فالمختار عندهم حل أكلها وقال السيوطي : ولم يذكرها أحد في المالكية ، والحنفية وقواعدهم تقتضي حلها والله أعلم .


( 91 ) قوله : الأصل في الأشياء الإباحة إلخ ذكر العلامة قاسم بن قطلوبغا في بعض تعاليقه أن المختار أن الأصل الإباحة عند جمهور أصحابنا ، وقيده فخر الإسلام بزمن الفترة فقال : إن الناس لن يتركوا سدى في شيء من الأزمان ، وإنما هذا بناء على زمن الفترة لاختلاف الشرائع ووقوع التحريفات ، فلم يبق الاعتقاد ، والوثوق على شيء من الشرائع فظهرت الإباحة بمعنى عدم العقاب ، بما لم يوجد له محرم ولا مبيح انتهى .

[ ص: 224 ] ودليل هذا القول قوله تعالى { خلق لكم ما في الأرض جميعا } أخبر بأنه خلقه لنا على وجه المنة علينا ، وأبلغ وجوه المنة إطلاق الانتفاع فتثبت الإباحة . ( 92 )

قوله : والحكم عندنا ، وإن كان أزليا . جواب سؤال مطوي تقديره أن يقال : إذا كان الحكم عندكم أزليا ثابتا قبل الشرع كيف يصح قولكم بأنه لا حكم قبل الشرع .

وتقرير الجواب بأن نفس الحكم ، وإن كان أزليا عندنا لكن تعلقه التنجيزي بأفعال المكلفين ليس بأزلي ، والمراد هنا عدم تعلق الحكم التنجيزي بالفعل لا عدم تعلقه العلمي فإنه أزلي عندنا وإنما كان تعلق التنجيزي منفيا قبل الشرع لعدم الفائدة ; لأنه لو تعلق ، فتعلقه إما لفائدة الأداء ، وهو غير ممكن قبل الشرع ; لأنه عبارة عن الإتيان بعين ما أمر به في وقته وذلك موقوف على العلم به وبكيفيته ولا علم بشيء من ذلك قبل الشرع لقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ، وإما لفائدة ترتب العقاب على الترك ، وهو منتف أيضا قبل الشرع لعدم الفائدة . ( 93 )

قوله : وقال بعض أصحاب الحديث : الأصل فيها الحظر ودليله أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز . ( 94 ) قوله : وقال بعض أصحابنا : الأصل فيها التوقف ، ودليل هذا القول أن طريق ثبوت الأحكام سمعي وعقلي ، والأول غير موجود ، وكذا الثاني فلا تقطع على [ ص: 225 ] أحد الحكمين فإن من قال بالإباحة عقلا يجوز ، وورد الشرع الشريف في ذلك بعينه بالحظر فينقله من الحظر إلى الإباحة ، وما وضع العقل عليه لا يجوز تغييره كشكر المنعم كذا في تحفة الوصول ، واعلم أن ما فيه ضرر لنفسه ، أو لغيره خارج عن موضع الخلاف ، وقيل : هذه المسألة متفرعة على أن الحسن ، والقبح ذاتي ، أو شرعي . ( 95 )

قوله : والنبات المجهول إلخ يعلم منه حل شرب الدخان .

( 96 ) قوله : ومنها مسألة الزرافة بفتح الزاء وضمها حكاهما الجوهري حيوان طويل اليدين قصير الرجلين على العكس من اليربوع وفي كتاب عجائب المخلوقات لما [ ص: 226 ] كانت الزرافة ترعى وتقتات به جعل يديها أطول من رجليها ليمكنها ذلك بسهولة وذكر بعضهم أن الزرافة متولدة من الناقة والضبع فتجيء بولد خلقة الناقة والضبع ، وقيل غير ذلك لكن الجاحظ لم يرتض في كتاب الحيوان شيئا مما ذكره من تركيب خلق الزرافة ورده ردا بليغا

التالي السابق


الخدمات العلمية