الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
الخامسة : ونظير القاعدة الرابعة قاعدة خامسة ; وهي درء المفاسد أولى من جلب المصالح .

فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا ; لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ، ولذا قال عليه السلام { إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه } ، وروى في الكشف حديثا { لترك ذرة مما نهى الله عنه أفضل من عبادة الثقلين } ومن ثم جاز ترك الواجب دفعا للمشقة ، ولم يسامح في الإقدام على المنهيات . [ ص: 291 ]

خصوصا الكبائر .

ومن ذلك ما ذكره البزازي في فتاويه : ومن لم يجد سترة ترك الاستنجاء ، ولو على شط نهر ; لأن النهي راجح على الأمر حتى استوعب النهي الأزمان ، ولم يقتض الأمر [ ص: 292 ] التكرار ( انتهى )


[ ص: 291 ] قوله : خصوصا الكبائر .

اعلم أن الكبائر اختلف الروايات فيها ، روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنها تسعة : الشرك بالله تعالى وقتل النفس بغير حق ، وقذف المحصنة والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، والإلحاد في الحرم . وزاد أبو هريرة رضي الله عنه أكل الربا وزاد علي رضي الله عنه السرقة ، وشرب الخمر

وقيل : كل ما أوعد عليه الشارع بخصوصه .

وقيل : كل معصية أصر عليها العبد فهي كبيرة ، وكل ما استغفر عنه فهي صغيرة كذا في شرح العقائد للمحقق التفتازاني واعترض على قوله أن كل معصية أصر عليها العبد فهي كبيرة إلخ .

بأنه مخالف لقوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } ; لأنه بالنظر إلى كون الكل كبائر يقال : في الذي يكفر ، وبالنظر إلى كون الكل صغائر يقال في الكبائر التي تجتنب ; فإن قيل : المراد بالكبائر في الآية جزئيات الكفر ; فإذا اجتنب كفر ما عداها قلنا : تكفير ما عداها متعلق بالمشيئة كما سيأتي ، وإلا لزم أن يكفر القتل والزنا والسرقة بمجرد اجتناب المسلم الكفر ، ولا قائل بذلك أحد ( انتهى ) .

وفي السراج في كتاب الشهادة ، الكبيرة : ما كانت حراما محضا شرع عليها عقوبة محضة بنص قاطع إما في الدنيا ، وإما في الآخرة ، وكذا الإعانة على المعاصي والفجور ، والحث على ذلك من جملة الكبائر كذا في الذخيرة ( انتهى ) .

وفي السراج أيضا : إن سب الصحابة كبيرة ، ونظر فيه بعض الفضلاء بأنه يشعر بأنه ليس بكفر مع أنه كفر ( انتهى ) .

وفيه أن الكبيرة لا تنافي الكفر بل تجامعه كما في الإشراك بالله فمن أين جاء الإشعار ؟ غاية الأمر أنه ساكت عن ذلك على أنه ذكر في الاختيار في فصل الخوارج والبغاة إن سب أحدا من الصحابة ، وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل فإن عليا رضي الله عنه لم يكفر شاتمه حتى لم يقتله

التالي السابق


الخدمات العلمية