الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
المبحث الرابع : العرف الذي تحمل عليه الألفاظ 35 - إنما هو المقارن السابق دون المتأخر ; 36 - ولذا قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ [ ص: 312 ] فلذا اعتبر في المعاملات ، ولم يعتبر في التعليق فيبقى على عمومه ولا يخصصه العرف .

وفي آخر المبسوط إذا أراد الرجل أن يغيب فحلفته امرأته فقال : كل جارية اشتريتها فهي حرة ، وهو يعني كل سفينة جارية ، عمل بنيته ولا يقع عليه العتق قال الله تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والمراد السفن ، فإذا نوى ذلك عملت نيته ; لأنها ظالمة في هذا الاستحلاف ونية المظلوم فيما يحلف عليه معتبرة ، وإن حلفته بطلاق كل امرأة أتزوجها عليك فليقل : كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق ، وهو ينوي بذلك كل امرأة أتزوجها على رقبتك فيعمل بنيته ; لأنه نوى حقيقة كلامه ( انتهى ) .

وأما الإقرار فهو إخبار عن وجوب سابق ، وربما يقدم الوجوب على العرف الغالب ، وكذا لو أقر بدراهم ثم [ ص: 313 ] فسرها أنها زيوف ، أو نبهرجة يصدق إن وصل ، وإن أقر بألف من ثمن متاع أو قرض لم يصدق .

عند الإمام إذا قال هي زيوف وصل أو فصل ، وصدقاه إن وصل ، وإن أقر بألف غصبا أو وديعة قال : هي زيوف صدق مطلقا .

وكذا الدعوى لا تنزل على العادة ; لأن الدعوى والإقرار إخبار بما تقدم فلا يقيده العرف المتأخر بخلاف العقد فإنه باشره للحال فقيده العرف .

قال في البزازية من الدعوى معزيا إلى اللامشي : إذا كانت النقود في البلد مختلفة أحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين ، وكذا لو أقر بعشرة دنانير حمر وفي البلد نقود مختلفة حمر لا يصلح بلا بيان ، بخلاف البيع فإنه ينصرف إلى الأروج ( انتهى ) .

وقد أوسعنا الكلام على ذلك في شرح الكنز من أول البيع ، ويمكن أن تخرج عليها مسألتان ; أحدهما مسألة البطالة في المدارس فإذا استمر عرف بها في أشهر مخصوصة حمل عليها ما وقف بعدها لا ما وقف قبلها .

الثانية : إذا شرط الواقف النظر للحاكم وكان الحاكم إذ ذاك شافعيا ثم صار الآن حنفيا لا قاضي غيره إلا نيابة .

هل يكون النظر له ; لأنه الحاكم أو لا ; لأنه متأخر فلا يحمل المتقدم عليه ؟ 38 - فمقتضى القاعدة الثانية .


( 35 ) قوله : إنما هو المقارن السابق أي السابق لوقت اللفظ ، واستقر حتى صار في وقت الملفوظ به ، وأما المقارن الطارئ فلا أثر له ، ولا ينزل عليه اللفظ السابق ، وبهذا التقرير يندفع ما عساه يقال : كيف يكون العرف مقارنا سابقا وسقط ؟ قيل : الظاهر أو السابق وسقطت أو سهوا . ( 36 )

قوله : ولذا قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ : قال الزركشي في قواعده وأغرب من حكى في جواز التخصيص به قولان ، وبنى بعضهم على ذلك مسألتين أحدهما ما يتعلق بالبطالة في المدارس فقد اشتهر في هذه الأعصار ترك الدروس في [ ص: 312 ] الأشهر الثلاثة .

الثانية كسوة الكعبة ، فإن ابن عبدان منع من بيعها ، وأوجب رد من حمل منها شيئا .

( 37 ) قوله : فلذا اعتبر العرف في المعاملات ولم يعتبر في التعليق : اعلم أن العادة الغالبة إنما تقيد لفظ المطلق إذا تعلق بإنشاء أمر في الحال دون ما يقع إخبارا عن متقدم فلا يقيده العرف المتأخر .

وقال بعضهم : العادة الغالبة إنما تؤثر في المعاملات ; لكثرة وقوعها أو رغبة الناس فيما يروج في البقعة غالبا ، ولا تؤثر في التعليق والإقرار والدعوى بل يبقى اللفظ على عمومه فيها .

أما في التعليق فلقلة وقوعه ، وأما في الإقرار والدعوى فلأنه إخبار عن وجوب سابق ، وربما تقدم الوجوب على العرف الغالب أو غلب في بقعة أخرى [ ص: 313 ]

قوله : فمقتضى القاعدة الثانية : فيه أن أل في الحاكم للعهد كما هو الظاهر وقضية كون النظر لذلك الحاكم شافعيا أو كان حنفيا ، وكونه شافعيا في نفس الأمر إذ ذاك لا يقتضي أن يكون له دخل في ثبوت الحكم فالظاهر إذا كان النظر له ، وإن صار حنفيا فيما علمت ، وكون المسألة من جزئيات القاعدة في حيز المنع فتدبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية