الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 379 ] القاعدة السادسة : { الحدود تدرأ بالشبهات } 1 - ، وهو حديث رواه الأسيوطي ، معزيا إلى ابن عدي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه { ادفعوا الحدود ما استطعتم } ، وأخرج الترمذي ، والحاكم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها { ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم 2 - فإن وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيلهم ، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة } ، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا ( ادرءوا الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم ) ، وفي فتح القدير : أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات ، والحديث المروي في ذلك متفق عليه ، وتلقته الأمة بالقبول .

والشبهة ما يشبه الثابت ، وليس بثابت ، وأصحابنا رحمهم الله قسموها إلى شبهة في الفعل ، وتسمى شبهة الاشتباه ، وإلى شبهة في المحل ; فالأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل ، والحرمة فظن غير الدليل دليلا فلا بد من الظن ، وإلا فلا شبهة أصلا .

[ ص: 380 ] كظنه حل وطء جارية زوجته 4 - أو أبيه أو أمه أو جده ، وإن علا ، ووطء المطلقة ثلاثا في العدة أو بائنا على مال ، والمختلعة أو أم الولد إذا أعتقها ، وهي في العدة ، ، ووطء العبد جارية مولاه ، والمرتهن في حق المرهونة في رواية ، ومستعير الرهن كالمرتهن .

ففي هذه المواضع لا حد إذا قال : ظننت أنها تحل لي ، ولو قال : علمت أنها حرام علي وجب الحد ، 5 - ولو ادعى أحدهما الظن 6 - والآخر لم يدع ، لا حد عليهما حتى يقرا جميعا بعلمهما بالحرمة


[ ص: 379 ] قوله : وهو حديث ذكر الضمير الراجع للقاعدة مراعاة للخبر .

( 2 ) قوله : فإن وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله ، أرجع ضمير الأفراد على الجمع باعتبار واحده .

[ ص: 380 ] قوله : كظنه حل وطء جارية زوجته ; لأنه وإن كان زنا ; لعدم الملك ، وحق التملك فيها ; غير أن البسوطة تجري بينهما في الانتفاع بالأموال ، والرضى بذلك عادة ، وهي تجوز الانتفاع بالمال شرعا ، فإذا ظن الوطء من هذا القبيل يعذر ; لأن وطء الجواري من قبيل الاستخدام فيشتبه الحل ، والاشتباه في محله معذور فيه .

( 4 ) قوله : أو أبيه : لو قال أو أصله ، وإن علا لكان أولى .

( 5 ) قوله : ولو ادعى أحدهما الظن ، قال في البحر : أطلق في ظن الحل فيشمل ظن الرجل ، وظن الجارية فإن ظنا فلا حد ، وإن علما الحرمة وجب الحد ، وإن ظنه الرجل ، وعلمتها الجارية أو العكس فلا حد ; لأن الشبهة إذا تمكنت في الفعل من أحد الجانبين تتعدى إلى الجانب الآخر ضرورة كذا في المحيط .

( 6 ) قوله : والآخر لم يدع : يشمل الشاك ، والعالم بالحرمة

التالي السابق


الخدمات العلمية