صفحة جزء
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها وقصة نسطورا الراهب

110 - أخبرنا أبو عمر ومحمد بن أحمد بن الحسين قال : ثنا الحسن بن الجهم قال : ثنا الحسين بن الفرج قال : ثنا محمد بن عمر الواقدي وثنا أبو محمد بن حيان قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل قال : ثنا إسحاق بن الفيض قال : ثنا إبراهيم بن أحمد البغدادي قال : ثنا محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر الواقدي قال : ثنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بن الربيع عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى سمعتها تقول : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين ، لما تكاملت فيه من خصال الخير ، قال له أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي ، وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة ، ليس لنا مادة ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها ويصيبون منافع ، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك [ ص: 173 ] لما يبلغها من طهارتك ، وإني كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من اليهود ، ولكن لا نجد من ذلك بدا ، - وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة ، وتبعث بها إلى الشام ، فيكون عيرها كعامة عير قريش ، وكانت تستأجر الرجل ، وتدفع إليه المال مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا ، من لم يكن تاجرا فليس عندهم بشيء - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلعلها أن ترسل إلي في ذلك ، قال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ، فتطلب أمرا مدبرا ، فافترقا ، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، وقبل ذلك ما قد بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه فقالت : ما دريت أنه يريد هذا ، ثم أرسلت إليه فقالت : إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي أبا طالب فقال له ذلك ، فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك ، فخرج مع غلامها " ميسرة " حتى قدم الشام ، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان يقال له " نسطورا " .

قال : فتطلع الراهب إلى " ميسرة " وكان يعرفه ، فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال : من قريش ، من أهل الحرم ، قال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم ، لا تفارقه قط . قال الراهب : هذا هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج ، فوعى ذلك " ميسرة " . ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى ، فباع سلعته التي خرج بها ، واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة ، فقال له الرجل : احلف باللات والعزى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حلفت بهما قط ، وإني لأمر بهما فأعرض [ ص: 174 ] عنهما فقال الرجل : القول قولك ، ثم قال لميسرة ، وخلا به : يا ميسرة هذا نبي ، والذي نفسي بيده إنه لهو هو ، ويجده أحبارنا منعوتا في كتبهم .

فوعى ذلك ميسرة . ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس ، وهو على بعيره .

قال : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها قد ربحت ضعف ما كانت تربح ، وأضعفت له ما سمت له .


قال الشيخ : وما تضمن هذا الفصل من أحواله صلى الله عليه وسلم من حين تزوجت آمنة ، وحملها ، ووضعها به ، واسترضاعه ، وحضانة حليمة ظئره ، إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة ، المقرونة بالآيات ، دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم بخروجها عن المتعارف والمعتاد ، مع توسم أهل الكتب وغيرهم الأمارات التي دونتها الكتب المتقدمة ، والأخبار السالفة بالبشارات به ، فترقبهم لمبعثه ومخرجه ، علامات ودلائل لمن أراد به الإيمان ، وصار به مؤمنا موقنا ، ولنبوته محققا .

التالي السابق


الخدمات العلمية