صفحة جزء
الفصل الرابع عشر في ذكر بدء الوحي وكيفية ترائي الملك وإلقائه الوحي إليه وتقريره عنده أنه يأتيه من عند الله وما كان من شق صدره صلى الله عليه وسلم

162 - حدثنا محمد بن سليمان بن أحمد إملاء وقراءة قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : يا رسول الله اقرأ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، [ ص: 214 ] ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ : ما لم يعلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره ، فدخل على خديجة رضي الله عنها ، وأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت على نفسي ، فقالت له : أبشر ، - فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له : أي اسمع من ابن أخيك ، فقال ورقة : يا ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رآه فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت أحد قط بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى [ ص: 215 ] بذروة جبل كي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك لرسول الله حقا ، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل قال له مثل ذلك " .

قال الزهري : فأخبرني أبو سلمة ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : " فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه رعبا ، فرجعت ، فقلت : زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله عز وجل : يا أيها المدثر إلى قوله تعالى : والرجز فاهجر قبل أن تفرض الصلوات ، وهي الأوثان ، يعني : والرجز فاهجره " .

التالي السابق


الخدمات العلمية