صفحة جزء
191 - حدثنا ابن الحسن قال : ثنا يحيى المروزي قال : ثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال : ثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه ، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب ، وكان طفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، ومشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له : يا طفيل إنك قدمت بلادنا فهذا الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، فرق جماعتنا وإنما قوله كالسحرة ، يفرق بين المرء وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل [ ص: 239 ] وزوجته ، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمه ولا تسمع منه ، قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه ، قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة قال : فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، قال : فسمعت كلاما حسنا ، قال : فقلت في نفسي : واثكل أمي إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد إن قومك قالوا لي : كذا وكذا - الذي قالوا لي - فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك فعرض علي الإسلام ، وتلا علي القرآن ، قال : فوالله ما سمعت قولا قط أحسن ، ولا أمرا أعدل منه ، قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه ، قال : فقال : اللهم اجعل له آية ، قال : فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر ، وقع نور بين عيني مثل المصباح ، قال : فقلت : اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ، [ ص: 240 ] قال : فتحول ، فوقع في رأس سوطي ، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا هابط إليهم من الثنية ، حتى جئتهم فأصبحت فيهم ، فلما نزلت ، أتاني أبي وكان شيخا كبيرا ، قال : فقلت : إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك ، قال : ولم أي بني ؟ قال : قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال أبي : ديني دينك ، فاغتسل وطهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم قال : ثم أتتني صاحبتي فقلت لها : إليك عني فلست منك ولست مني ، قالت : لم بأبي أنت وأمي ؟ قال : قلت : فرق بيني وبينك الإسلام ، أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت : فديني دينك الإسلام ، فأسلمت ، ودعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت : يا نبي الله إنه قد غلبني دوس فادع الله عليهم ، فقال : اللهم اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم ، قال : فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقضى بدرا وأحدا والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس " .

ومما يدخل في الباب من أخذ القرآن بالقلوب [ ص: 241 ] إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية