صفحة جزء
194 - حدثنا محمد بن أحمد أبو أحمد قال : ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه [ ص: 247 ] قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم قال : ثنا وهب بن جرير قال : حدثني أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا خير جار ، النجاشي أمنا على ديننا ، وعبدنا الله عز وجل ، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا على أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدى للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما ، قالت : فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار ، وعند خير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلماالنجاشي ، ثم قالا لكل بطريق منهم : قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم ، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعث أشراف قومهم ليردوهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن [ ص: 248 ] يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما : نعم ، ثم إنهما قربا هداياهما إلى النجاشي فقبلها ، ثم كلماه فقالا : أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثت إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ؛ لتردهم إليهم قالت : ولم يك شيء أبغض إلى النجاشي من أن يسمع كلامهم ، فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قالت : فغضب النجاشي ، ثم قال : هؤلاء وايم الله إذا لا أسلمهم إليكما ولا أكاد ، قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم وأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا أجبتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن ، فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال : " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من [ ص: 249 ] الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن قول الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، قالت : فعدد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم الله ، وأحللنا ما أحل الله ، فعدا علينا قومنا فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت : فقال النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قال له جعفر : نعم ، فقال له النجاشي : فاقرأ علي ، قالت : فقرأ صدرا من " كهعيص " قالت : فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت الأساقفة حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والحق الذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكما ، ولا أكاد ، قال النجاشي : ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، قال : فضرب بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال : ما عدا عيسى مما قلت وزن هذا العود ، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن [ ص: 250 ] نخرتم والله ، اذهبوا سيوم بأرضي ، - والسيوم : الآمنون - ، من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبر ذهب وإني آذيت رجلا منكم ، - والدبر بلسان الحبشة : الجبل - ، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه ، قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا بخير دار مع خير جار حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية