صفحة جزء
[ ص: 306 ] 227 - حدثنا سليمان بن أحمد بن محمد بن عمرو بن خالد قال ثنا أبي قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال : لما حضر الموسم حج نفر من الأنصار من بني مالك بن النجار ، منهم : معاذ بن عفراء ، وأسعد بن زرارة ، ومن بني زريق : رافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس ، ومن بني غنم بن عوف : عبادة بن الصامت ، وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة ، ومن بني عبد الأشهل : أبو الهيثم بن التيهان ، ومن بني عمرو بن عوف : عويم بن ساعدة ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره والذي اصطفاه الله عز وجل له من نبوته وكرامته ، وقرأ عليهم القرآن ، فلما سمعوا قوله أيقنوا واطمأنوا إلى دعوته ، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه ، فصدقوا وآمنوا به ، وكانوا من أسباب الخير ، قالوا له : قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الدماء ، ونحن ثم نحب ما أن نشد به أمرك ، ونحن لله ولك مجتهدون ، وإنا نشير عليك بما نرى ، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا ، فنخبرهم بشأنك ، وندعوهم إلى الله ورسوله ، فلعل الله أن يصلح بيننا ، ويجمع أمرنا ، فإنا اليوم متباعدون متباغضون ، فإن تقدم علينا ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك ، ولكن نواعدك الموسم من العام المقبل ، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قالوا ، فرجعوا إلى قومهم ، فدعوهم سرا ، وأخبروهم [ ص: 307 ] برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به ، ودعاهم إليه بالقرآن ، حتى قل دار من دورهم إلا أسلم فيها ناس لا محالة .

ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فيدعو الناس بكتاب الله ، فإنه أدنى أن يتبع ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار ، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة ، فجعل يدعو الناس سرا ، فيفشو الإسلام ويكثر أهله وهم في ذلك مستخفون بدعائهم ، ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير ، حتى أتيا بئر مرق أو قريبا منها فجلسا هناك ، وبعثا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين ، فبينا مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم ، أخبر بهم سعد بن معاذ ، فأتاهم في لأمته معه الرمح ، حتى وقف عليهم ، فقال علام تأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب ، يسفه ضعفاءنا بالباطل ، ويدعوكم إليه ، ولا أراكم بعدها بشيء من جوارنا ، فرجعوا ، ثم إنهم عادوا الثانية لبئر مرق أو قريبا منها ، فأخبر بهم سعد بن معاذ ، فتواعدهم توعدا دون الوعيد الأول .

فلما رأى أسعد بن زرارة منه لينا قال : يا ابن خالة اسمع من قوله ، فإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه ، وإن سمعت حقا فأجب إليه ، فقال : ماذا يقول ؟ فقرأ عليه مصعب بن عمير : حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون فقال سعد بن معاذ : ما أسمع إلا ما أعرف ، [ ص: 308 ] فرجع قد هداه الله تعالى ، ولم يظهر لهم الإسلام حتى رجع إلى قومه ، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام ، وأظهر إسلامه ، وقال : من شك فيه من صغير أو كبير أو أنثى أو ذكر فليأتنا بأهدى منه نأخذ به ، فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب ، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ ودعائه ، إلا من لم يذكر ، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرهم ، ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير ، واشتدوا على أسعد بن زرارة ، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ ، فلم يزل عنده يدعو ، ويهدي الله على يديه ، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ، وأسلم أشرافهم ، وأسلم عمرو بن الجموح ، وكسرت أصنامهم ، وكانت المسلمون أعز أهلها ، وصلح أمرهم ، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى المقرئ ، ثم حج العام المقبل منهم سبعون رجلا من الأنصار ، منهم أربعون رجلا من ذوي أسنانهم وأشرافهم ، وثلاثون شابا ، وأصغرهم عقبة بن عمرو ، وأبو مسعود ، وجابر بن عبد الله ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب ، فلما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي خصه الله عز وجل به من النبوة والكرامة ، ودعاهم إلى الإسلام وإلى أن يبايعوه ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم ، أجابوا وصدقوا ، وقالوا : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، قال : " أشترط لربي أن لا تشركوا به شيئا ، وأن تعبدوه ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " ، فلما طابت أنفسهم بذلك الشرط ، اشترط له العباس وأخذ عليهم المواثيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعظم الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ، وكان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة أبو الهيثم بن [ ص: 309 ] التيهان ، وقال يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا - والحبال الحلف والمواثيق - فلعلنا نقطعها ، ثم ترجع إلى قومك ، وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس فيك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وقال : " الدم الدم ، والهدم والهدم " فلما رضي أبو الهيثم بما رجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، أقبل على قومه فقال : يا قوم هذا رسول الله حقا ، أشهد بالله أنه لصادق ، وإنه اليوم في حرم الله وأمنه بين ظهري قومه وعشيرته ، فاعلموا أنكم أن تخرجوه ترمكم العرب عن قوس واحدة ، فإن كانت طابت أنفسكم بالقتال في سبيل الله وذهاب الأموال والأولاد فادعوه إلى أرضكم ، فإنه رسول الله حقا ، وإن خفتم خذلانه فمن الآن ، فقال عبد الله : قبلنا عن الله وعن رسول الله ، فخل بيننا يا أبا الهيثم وبين رسول الله فلنبايعه ، فقال أبو الهيثم : فأنا أول من يبايع ، ثم تتابعوا كلهم وصاح الشيطان من رأس الجبل : يا معشر قريش ، هذه بنو الأوس والخزرج تحالف على قتالكم ، ففزعوا عند ذلك وراعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرعكم هذا الصوت ، فإنما هو عدو الله إبليس ، ليس يسمعه أحد ممن تخافون " ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بالشيطان فقال : " يا ابن أزب ، أهذا عملك ؟ سأفرغ لك " .

وبلغ قريشا الحديث فأقبلوا حتى إنهم ليتوطؤون على رحل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يبصرونهم ، فرجعت قريش ، وقال العباس بن عبادة بن نضلة أخو بني سالم : يا رسول الله إن شئت - والذي أكرمك - ملنا على أهل منى بأسيافنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أومر بذلك ، وكان هؤلاء النفر اتفقوا على مرضاة الله ، وأوفوا بالشرط من أنفسهم بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 310 ] ، ثم صدروا رابحين راشدين إلى بلادهم ، وجعل الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ملجأ وأنصارا ودار هجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية