صفحة جزء
428 - قال محمد بن عمر حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال :

لما أخرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابا ، فتفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة في صلاتهم ، قد نفخ في بوقهم ، فاجتمعوا ، فقال الزبير بن باطا : أين كنت يا أبا سعد ؟ منذ اليوم لم نرك - وكان لا يفارق الكنيسة ، وكان يتأله في اليهود - .

قال : رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها ، رأيت دورا خالية خرابا بعد العز والجد والشرف والرأي الفاضل والعقل البارع ، وقد تركوا أموالهم وملكها غيرهم ، وخرجوا خروج ذل ، فلا والتوراة ما سلط الله على قوم هذا أبدا وله بهم حاجة ، وقد أوقع بابن الأشرف بياتا في بيته ، وأوقع بابني شيبة سيرهم وأنجزهم وأحذرهم ، وأوقع ببني قينقاع وأجلاهم ، جد اليهود ، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة ، يا قوم أطيعوني ، فقد رأيتم ما رأيتم ، تعالوا نتبع محمدا ، والله إنكم لتعلمون أنه نبي قد بشرنا به علماؤنا ابن الهيبان [ ص: 497 ] وأبو عمير بن جواس وهما أعلم اليهود ، جاءا من بيت المقدس يتوكفان قدومه ، ثم أمرانا باتباعه وأن نقرئه منهما السلام ، ثم ماتا على دينهما ، ودفناهما في حرتنا هذه ، قال ، فأسكت القوم لا يتكلم منهم أحد ، فأعاد الكلام أو نحوه ، وخوفهم الحرب والسبي والجلاء .

فقال الزبير بن باطا : قد قرأت التوراة ورأيت صفته في كتاب باطا التوراة التي أنزلت على موسى ، ليس في المثاني التي أحدثنا .

قال : فقال له كعب بن أسيد فما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟

قال : أنت ؟ !

قال : ولم ؟ والتوراة ما حلت بينك وبينه قط .

قال الزبير : أنت صاحب عهدنا وعقدنا ، فإن اتبعته اتبعناك وإن أبيت أبينا .

قال ، فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال أما والتوراة التي نزلت على موسى يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا ، وإنه لعلى منهاج موسى ، وينزل معه وأمته في منزله غدا في الجنة ، قال كعب : نقيم على عهدنا وعقدنا لا يخفر لنا محمد ذمته ، وننظر ما يصنع حيي ، فقد أخرج إخراج ذل وصغار ، فلا أراه يقر حتى يغزو محمدا ، وإن ظفر بمحمد و ما أردنا ، أقمنا على ديننا ، وإن ظفر بحيي فما في العيش خير بعده .

[ ص: 498 ] قال عمرو بن سعدى : ولم تؤخر الأمر وهو مقبل ؟

قال كعب : ما على هذا فوت ، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه .

قال عمرو : بلى والتوراة إن عليه لفوتا ، إذا سار إلينا محمد لتحصنا في حصوننا هذه التي جذعتنا ، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه ، فيضرب أعناقنا .

قال كعب بن أسد : ما عندي في أمره إلا ما قلت ، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيلي ، لا يعرف فضل النبوة ولا قدر الفعال .

قال ، قال عمرو بن سعدى : بلى ليعرفن ذلك .

قال ، فهم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم ، فقال : هذا الذي قلتم .

قال الشيخ : وإنما سقنا هذه الأقاصيص ليعلم ما اشتهر عند علماء اليهود من صفته في التوراة التي لم تغير ولم تبدل ، وإن ذلك دلالة على بطلان ما في أيديهم من التوراة اليوم من الأشياء المستحيلة ، وتسميتهم التي في أيديهم أنها المثاني المبدلة المحرفة ، وفيه أيضا : ما أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم من غدر اليهود ، وعصمة الله عز وجل من القتل الذي كانوا هموا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية