1. الرئيسية
  2. دلائل النبوة لأبي نعيم
  3. الفصل الخامس ذكره في الكتب المتقدمة والصحف السالفة المدونة عن الأنبياء والعلماء من الأمم الماضية
صفحة جزء
45 - أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : ثنا الحسن بن الجهم ، قال : ثنا الحسين بن الفرج ، قال : ثنا محمد بن عمر الواقدي ، قال : حدثني محمد بن سعيد الثقفي ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن سهل بن حنيف ، وعبد الملك بن عيسى الثقفي ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي ، ومحمد بن يعقوب بن عتبة ، عن أبيه وغيرهم ، كل قد حدثني من هذا الحديث بطائفة ، قال : قال المغيرة بن شعبة في خروجه إلى المقوقس مع بني مالك ، وإنهم لما دخلوا على المقوقس قال لهم : كيف خلصتم إلي من طلبتكم ، ومحمد وأصحابه بيني وبينكم ؟

قالوا : لصقنا بالبحر ، وقد خفناه على ذلك .

قال : كيف صنعتم فيما دعاكم إليه ؟

قالوا : ما تبعه منا رجل واحد . [ ص: 86 ]

قال : لم ؟

قالوا : " جاءنا بدين محدث لا تدين به الآباء ، ولا يدين به الملك ، ونحن على ما كان عليه آباؤنا .

قال : كيف صنع قومه ؟

قال : اتبعه أحداثهم ، وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن ، مرة تكون عليهم الدبرة ، ومرة تكون له .

قال : ألا تخبرونني وتصدقونني ؟ إلى ماذا يدعو ؟

قالوا : يدعو إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ، ونخلع ما كان يعبد الآباء ، ويدعو إلى الصلاة والزكاة .

قال : وما الصلاة والزكاة ؟ ألهما وقت يعرف ، وعدد ينتهي ؟

قالوا : يصلون في اليوم والليلة خمس صلوات ، كلها لمواقيت وعدد ، سموه له ، ويؤدون من كل مال بلغ عشرين مثقالا ، مثقالا ، وكل إبل بلغت خمسا شاة ، وأخبروه بصدقة الأموال كلها .

قال : أفرأيتم إذا أخذها أين يضعها ؟

قالوا : يردها على فقرائهم ، ويأمر بصلة الرحم ، ووفاء العهد ، وتحريم الربا والزنا والخمر ، ولا يأكل ما ذبح لغير الله تعالى .

قال : هو نبي مرسل إلى الناس كافة ، ولو أصاب القبط والروم تبعوه ، وقد أمرهم بذلك عيسى ابن مريم ، وهذا الذي تصفون منه بعث به الأنبياء من قبله ، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد ، ويظهر دينه إلى منتهى [ ص: 87 ] الخف والحافر ، ومنقطع البحور ، ويوشك قومه يدافعونه بالرماح .

قال : قلنا : لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا .

قال : فأنغض رأسه وقال : أنتم في اللعب ، ثم قال : كيف نسبه في قومه ؟

قلنا : هو أوسطهم نسبا .

قال : كذلك المسيح والأنبياء عليهم السلام تبعث في نسب قومها .

قال : كيف صدقه في حديثه ؟

قال : قلنا : ما يسمى إلا الأمين من صدقه .

قال : انظروا في أمركم ، أترونه يصدق فيما بينكم وبينه ويكذب على الله ؟

قال : فمن تبعه ؟

قلنا : الأحداث .

قال : هم - والمسيح - أتباع الأنبياء قبله ، قال : فما فعلت يهود يثرب ؟ فهم أهل التوراة ، قلنا : خالفوه ، فأوقع بهم ، فقتلهم ، وسباهم ، وتفرقوا في كل وجه .

قال : هم حسدة حسدوه ، أما أنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف .

قال المغيرة : فقمنا من عنده ، وقد سمعنا كلاما ذللنا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وخضعنا ، وقلنا : ملوك العجم يصدقونه ، ويخافونه في بعد أرحامهم منه ، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه ! ! قد جاءنا داعيا إلى منازلنا ، قال المغيرة : فرجعنا إلى منازلنا ، فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها [ ص: 88 ] ، وسألت أساقفها ، من قبطها ورومها ، عما يجدون من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان أسقف من القبط هو رأس كنيسة أبي غنى ، كانوا يأتونه بمرضاهم ، فيدعو لهم ، لم أر أحدا قط يصلي الصلوات الخمس أشد اجتهادا منه ، فقلت : أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء ؟

قال : نعم ، وهو آخر الأنبياء ، ليس بينه وبين عيسى ابن مريم أحد ، وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه ، وهو النبي الأمي العربي ، اسمه أحمد ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، في عينيه حمرة ، ليس بالأبيض ولا بالآدم ، يعفي شعره ، ويلبس ما غلظ من الثياب ، ويجتزئ بما لقي من الطعام ، سيفه على عاتقه ، ولا يبالي من لاقى ، يباشر القتال بنفسه ومع أصحابه ، يفدونه بأنفسهم ،
هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم ، يخرج من أرض القرظ ، ومن حرم يأتي إلى حرم ، يهاجر إلى أرض سباخ ونخل ، يدين بدين إبراهيم عليه السلام .

قال المغيرة بن شعبة : زدني في صفته ، قال : يأتزر على وسطه ، ويغسل أطرافه ، ويخص بما لم يخص به الأنبياء قبله ، كان النبي يبعث إلى قومه ، وبعث إلى الناس كافة ، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا ، أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى ، ومن كان قبله مشددا عليهم لا يصلون إلا في الكنائس والبيع . [ ص: 89 ]

قال المغيرة : فوعيت ذلك كله ، من قوله وقول غيره ، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وأخبرته بما قال الملك وقالت الأساقفة الذين كنت أسائلهم وأسمع منهم من رؤساء القبط والروم ، وأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب أن يسمعه أصحابه ، فكنت أحدثهم ذلك في اليومين والثلاثة .

قال الشيخ : ونعوته وصفاته في الكتب المنزلة ، وعند الرهابنة والأساقفة والأحبار من أهل الكتابين مستفيض ، وكانوا يرجعون في أمر بعثته وإرساله إلى علم متيقن كالضروري ؛ لتبشير الأنبياء صلوات الله عليهم به وبإرساله ، وإيصائهم أمتهم بتصديقه إن أدركته ، وما كانت في أيديهم من الكتب والعهود المتقدمة المتواترة عن آبائهم وأسلافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية