صفحة جزء
461 - وذكر محمد بن عمر الواقدي فيما أخبرناه محمد بن أحمد بن الحسن قال ثنا الحسن بن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا محمد بن عمر الواقدي :

[ ص: 532 ] أن عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة كانا تاجرين ، خرجا إلى جرش بعد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح يتعاملان على الدبابات والمنجنيق والعرادات فأحكما ذلك ، ففتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ورجعا هما إلى الطائف ، فلما قدماها نصبا المنجنيق في جوف الحصن ، وجعلا الدبابات ، وأعدوا للقتال . ثم إن عروة بن مسعود بعد ما فرغ ، ولم يبق شيئا فيما يرى هو وقومه إلا وقد فرغ منه فيما يرون ، ألقى الله عز وجل في قلب عروة الإسلام ، فلقي غيلان بن سلمة فقال : ألا ترى إلى ما قد قرب الله من أمر هذا الرجل ؟ وإن الناس قد دخلوا مكة كلهم ، فراغب فيه وخائف أن يوقع به ، ونحن عند الناس أدهى العرب ، ومثلنا لا يجهل ما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأنه نبي .

قال غيلان : لا تقل هذا يا أبا يعقوب ، ولا يسمع منك ، إني لا آمن عليك ثقيفا ، وإن كان لك فيهم من الشرف ما لك فيها .

قال عروة : فأنا متبعه وسائر إليه .

قال غيلان : لا تعجل حتى تنظر وتدبر .

قال عروة : أي أمر هو أبين من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ؟ إني ذاكر لك أمرا لم أذكره لأحد قط ، وأنا ذاكره لك الساعة .

قال غيلان ، وما هو ؟

قال عروة : قدمت نجران في تجارة ، وذلك قبل أن يظهر محمد [ ص: 533 ] بمكة ، وكان أسقفها لي صديقا ، فقال : يا أبا يعقوب أظلكم نبي يخرج في حرمكم .

قلت : ما تقول ؟

قال : إي والمسيح ، وهو آخر الأنبياء ، وليقتلن قومه قتل عاد ، فإذا ظهر ودعا إلى الله فاتبعه ، وكن أول من يسبق إليه . لم أذكر من ذلك حرفا واحدا لأحد من ثقيف ولا غيرهم ، لما كنت أرى من شدتهم عليه ، وكنت أنا من أشدهم عليه ، بعد ما سمعت من الأسقف ما سمعت ، ثم غير الله قلبي من ساعتي هذه ، وأنا متبعه ، فاكتم علي مخرجي يا غيلان لا تذكره ، فخرج عروة وما شعر به أحد حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر به ، وأسلم ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما كان يريد ، وما أعد ، وما قذف الله في قلبه من الإسلام وغيره عما كان عليه ، وخبره خبر الأسقف .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي هداك وأراد بك خيرا مما أردت بنفسك .

ثم إن عروة استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى قومه وقال : يا رسول الله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب ، فأقدم على قومي بخير ما قدم به وافد على قومه قط ، إلا من قدم بمثل ما قدمت ، وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم إذن قاتلوك .

فقال : يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكار أولادهم ، ثم استأذنه الثانية .

[ ص: 534 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم إذا قاتلوك فقال : يا رسول الله لو وجدوني نائما ما أيقظوني ، ثم استأذنه الثالثة .

فقال : إن شئت فاخرج .

فخرج إلى الطائف ، فدعا قومه إلى الإسلام ، فقتل بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل عروة مثل صاحب يس ، دعا قومه إلى الله فقتلوه " .


وفي رواية فاروق الخطابي فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى الطائف ، فقدم عشاء ، فجاءه ثقيف ، فخبرهم ودعاهم إلى الإسلام ، ونصح لهم ، فاتهموه وعضهوه وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه ، فخرجوا من عنده ، حتى إذا أسحروا وطلع الفجر قام على غرفة له في داره فأذن بالصلاة ، وتشهد ، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله ، فزعموا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتله قال : " مثل عروة مثل صاحب يس ، دعا قومه إلى الله فقتلوه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية