صفحة جزء
قصة إسلام زيد بن سعنة

48 - ثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، قال : ثنا الحسن بن سفيان ، قال : ثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ، وثنا محمد بن علي ، قال : ثنا ابن قتيبة ، قال : ثنا محمد بن أبي السري ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال عبد الله بن سلام : إن الله عز وجل لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة : إنه لم يبق من علامات النبوة شيء ، إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب ، فأتاه [ ص: 92 ] رجل على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله إن قرية بني فلان قد أسلموا ، ودخلوا في الإسلام ، فكنت حدثتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا ، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث ، وإني أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا ، كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به . قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل إلى جانبه - أراه عليا - ، فقال : ما بقي منه شيء يا رسول الله . قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه ، فقلت له : يا محمد ، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ؟ فقال : لا يا يهودي ، ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ، ولا أسمي حائط بني فلان ، قال : فقلت : نعم ، فبايعني ، فأطلقت همياني ، فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ، فأعطى الرجل ، وقال : أعجل عليهم وأغثهم بها ، قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه ، فلما صلى على الجنازة ودنا من جدار ليجلس إليه ، أتيته فأخذت بجوامع قميصه وردائه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، وقلت : ألا تقضيني يا محمد حقي ، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا لمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، قال : فنظر إلي عمر بن الخطاب ، وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماني بطرفه وقال : يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ، وتفعل به ما أرى ؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال [ ص: 93 ] : أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ، أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا عمر ، فاقضه حقه ، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته .

قال زيد : فذهب بي عمر ، فقضاني حقي ، وزادني عشرين صاعا من تمر ، فقلت : ما هذه الزيادة ؟ فقال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك ، فقلت : أتعرفني يا عمر ؟ قال : لا ، فمن أنت ؟ فقلت : أنا زيد بن سعنة ، قال : الحبر ؟ قلت : الحبر ، قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت ، وتفعل به ما فعلت ؟ قلت : يا عمر كل علامات النبوة قد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد خبرتهما ، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : أو على بعضهم ، فإنك لا تسعهم كلهم ؟ قلت : أو على بعضهم قال : فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمن به وصدقه وتابعه ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ، ثم قتل في غزاة تبوك شهيدا مقبلا غير مدبر ، رحمه الله .


التالي السابق


الخدمات العلمية