صفحة جزء
561 - حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا أبو بكر بن النعمان ثنا بشر بن حجر [ ص: 618 ] الشامي . وثنا سليمان بن أحمد قال ثنا محمد بن هشام ثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال صالح المري عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ، فلم نبرح حتى قضى ، فبسطنا عليه ثوبا ، وأم له عجوز كبيرة على رأسه ، فقلنا : يا هذه احتسبي مصيبتك على الله عز وجل ، قالت : أومات ابني ؟ قلنا : نعم ، قالت : حقا تقولون ؟ قلنا : نعم ، قال ، فمدت يديها فقالت : " اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك ، وهاجرت إلى رسولك صلى الله عليه وسلم رجاء أن تغيثني عند كل شدة ورخاء ، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم ، فكشف عن وجهه ، ثم ما برحنا حتى طعمنا معه " .

فإن قيل : فإن عيسى كان يخبر بالغيوب ، وينبئ بما يأكلون في بيوتهم وبما يدخرون .

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخبر من ذلك بأعاجيب ، لأن عيسى كان يخبر بما يأكلون من وراء جدار في مبيتهم وتصرفهم في آكلهم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أخبر بما كان منه مسيرة شهر وأكثر ، كإخباره صلى الله عليه وسلم بوفاة النجاشي ، ومن استشهد في الغزاة ، زيد ، وجعفر ، وعبد الله بن رواحة ، وكان يأتيه السائل يسأله فيقول : إن شئت أخبرتك عما جئت تسأل عنه وأشباه ذلك .

وأخبر عمير بن وهب الجمحي بما تواطأ عليه هو وصفوان بن أمية ، [ ص: 619 ] لما قعدا بمكة بالحجر ، من الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مصاب أهل بدر حتى أسلم عمير .

ومنها : إخباره صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبد المطلب لما أسر ببدر وأراد أن يفاديه ، فقال : ليس لي مال ، فقال أين المال الذي أودعته عند أم الفضل لما أردت الخروج وعهدت إليها ، وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أنيس لما بعثه إلى الهذلي بوادي عرنة : إذا رأيته وجدت له قشعريرة .

ومنه ما أطلعه الله تعالى عليه من منصرفه من تبوك لما ضلت راحلته فقال بعض المنافقين : ألا يحدثه الله بمكانها ؟ فأطلعه الله تعالى عليها وعلى ما في نفس المنافق ، فأسلم وفارق النفاق .

ومنها : ما أخبر به رسولي فيروز لما قدما عليه المدينة من اليمن حين كتب إليه كسرى ، فقال : إن ربي قد قتل ربك البارحة ، فكتب تلك الليلة ، فلما رجعا إلى اليمن أتى فيروز الخبر أن شيرويه بن كسرى قتل أباه تلك الليلة ، في أشياء كثيرة تقدمت بأسانيدها في مواضعها من هذا الكتاب بما أغنى عن إعادتها .

ونذكر بعض ما خصه الله تعالى به من إعلامه وإخباره بأشياء لم تكن ، فكونها الله تعالى فيما أخبر بكونه ، فكان ، قال الله : وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله [ ص: 620 ] فكفاه ووفاه ما وعده بنصرة المؤمنين إنا كفيناك المستهزئين .

ومنه قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وكان كما وعده الله تعالى ، غلبوا وقتلوا ويحشرون إلى النار .

ومنه قوله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون فكان كما وعده .

ومنه قوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم فهزم الله المشركين يوم بدر .

ومنه قوله تعالى ولينصرن الله من ينصره فنصره الله وقواه بلا مال ولا عشيرة ، وبلغ ملك أمته الشرق والغرب .

ومنه قوله تعالى ليدخلنهم مدخلا يرضونه فدخلوا مكة آمنين .

ومنه قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم فكان كما وعدهم ، فهذا مما لا يجوز في حدس ولا ظن ، ولا يقع بالاتفاق .

ومنه قوله تعالى الم غلبت الروم فأعلمه بكونه ووقوعه ، حدد الوقت ، ووقف عليه في بضع سنين ، والعرب مصدقها ومكذبها ، عرفوا أن البضع معلوم عند جميعهم ، وأكده بقوله تعالى وعد الله لا يخلف الله وعده . [ ص: 621 ]

وقوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة خص بين الفتوح بالفتح لعظم قدره ، وإنها بلدة المهاجرين الذين أخرجوا منها ، أهلها كانوا أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لأن القرابات والجيران أشد تقاطعا وتباغضا ، فبشره بفتحها قبل كونه ، ويدخلون (الناس) أفواجا في دينه ، فحقق الله تعالى له بشارته بفتحها ، فقدمت الوفود الجامعات عليه المدينة مسلمين منقادين له ولدينه ، فقبض الله نبيه وقد طبق الإسلام اليمن إلى شجر عمان وأقصى نجد العراق ، بعد مكة والحجاز ، وبسط رواقه وجرانه بالغور ، فجرى حكم الله تعالى وحكمه صلى الله عليه وسلم على أهل مكة والطائف وعمان والبحرين واليمن واليمامة .

ومنه قوله تعالى وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها العجم وفارس وكقوله تعالى وأرضا لم تطؤوها يعني : فارس والروم ، فوجدوا ما وعد الله تعالى كما وعدهم .

ومنه قوله تعالى ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون وهم أهل فارس والروم وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة ، فقاتلهم أبو بكر ثم عمر ، لم يختلف أحد من أهل القبلة أن المخلفين من الأعراب لم يدعوا إلى شيء من الحروب بعد توليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى دعوا في زمان أبي بكر إلى أصحاب البأس مسيلمة وبني حنيفة .

ووعد صلى الله عليه وسلم بيضاء المدائن واصطخر وفتح كنوز كسرى . [ ص: 622 ]

وقال لعدي بن حاتم : ما يمنعك إلا ما ترى بأصحابي من الخصاصة ، فيوشكن أن تخرج الظعينة من الحيرة بغير جوار ، فأبصر ذلك عدي بعينه .

ومنه قوله تعالى عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة فكان ذلك تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة ، وإسلام أبي سفيان ، فزالت العداوة وآلت إلى مودة ووصلة .

ونظائر ذلك كثير مما أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم مما أسره المنافقون واليهود في أمره .

وفي القرآن قصص كثيرة اكتفينا منها بما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية