صفحة جزء
19 - باب قطاعي الطريق

قال الله - عز وجل - : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض .

3320 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا سعيد هو ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن رهطا من عكل ، وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! إنا أناس من أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة ، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بذود ، وزاد ، فأمرهم أن يخرجوا فيها ليشربوا من أبوالها ، وألبانها ، فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستاقوا الذود ، وكفروا بعد إسلامهم ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم ، فأمر بهم ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا ، وهم كذلك . [ ص: 322 ]

قال قتادة : فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم يعني : إنما جزاء الذين يحاربون الله ، ورسوله ويسعون في الأرض فسادا . . . الآية ، قال قتادة : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يحث في خطبته بعد ذلك عن الصدقة ، وينهى عن المثلة .

قال الشيخ : وهكذا قال أبو الزناد : إن الآية نزلت فيهم ، وفي رواية أخرى عن أبي الزناد عاتبه الله في ذلك ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية .

وقد روينا عن ابن سيرين أنه قال : إن هذا قبل أن تنزل الحدود .

وقد مضى عن أنس بن مالك أنه إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء .

3321 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا إبراهيم ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس في قطاع الطريق " إذا قتلوا واحدا ، وأخذوا المال . قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا . وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ، ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض .

3322 - ورواه إبراهيم بن أبي يحيى أيضا ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس إلا أنه قال : فإن هرب وأعجزهم ، فذلك نفيه .

ورواه أيضا عطية ، عن ابن عباس ، وهو قول قتادة ، عن مورق .

وروينا عن سعيد بن جبير ، والنخعي .

3323 - قال الشافعي : واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس إن شاء الله ، وحكى ابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب في الولي يعفو عن القصاص في المحاربة لا يصح عفوه .

3324 - قال الشافعي حكاية عن بعض أصحابه : كل ما كان لله من حد ليسقط بتوبته ، وكل ما كان للآدميين لم يبطل قال : وبهذا أقول .

[ ص: 323 ]

3325 - قال الشيخ : وروي عن علي ، وأبي موسى في قبول توبة المحارب ، وأما سائر حدود الله ، ففي سقوطها بالتوبة قولان .

3326 - وقد أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي ، وعبد الواحد بن محمد النجار بالكوفة ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ، أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، أخبرنا عمرو بن حماد ، عن أسباط بن نصر ، عن سماك ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه وائل بن حجر زعم أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح ، وهي تعمد إلى المسجد ، فاستغاثت برجل مر عليها ، وفر صاحبها ، ثم مر عليها قوم ذو عدة ، فاستغاثت بهم ، فأدركوا الذي استغاثت منه ، وسبقهم الآخر ، فذهب ، فجاؤوا به يقودونه إليها ، فقال : إنما أنا الذي أغثتك ، وقد ذهب الآخر ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته أنه وقع عليها ، وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد ، فقال : إنما كنت أغيثها على صاحبها ، فأدركوني هؤلاء ، فأخذوني ، قالت : كذب هو الذي وقع علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهبوا به ، فارجموه " فقام رجل من الناس ، فقال : لا ترجموه ، وارجموني أنا الذي فعلت بها الفعل ، فاعترف ، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي وقع عليها ، والذي أجابها ، والمرأة ، فقال لها : " أما أنت فقد غفر الله لك " ، وقال للذي أصابها قولا حسنا ، قال عمر : ارجم الذي اعترف بالزنا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا لأنه قد تاب توبة إلى الله ، أحسبه قال : توبة لو تابها أهل المدينة ، أو أهل يثرب لقبل منهم " ، فأرسلهم .

3327 - ورواه إسرائيل ، عن سماك ، وقال فيه : فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها . . . فذكر الحديث .

وعلى رواية إسرائيل يحتمل أنه إنما أمر بتعزيره دون الرجم ، ويحتمل أنهم شهدوا عليه بالزنا بالخطأ ، فلذلك أمر برجمه ، والله أعلم . [ ص: 324 ] [ ص: 325 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية