صفحة جزء
(أنبأني ) أبو عبد الله الحافظ (إجازة ) : أن أبا العباس (محمد بن يعقوب ) حدثهم : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال : " قال الله - عز وجل - : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) إلى قوله : [ ص: 208 ] ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) " .

" قال الشافعي : [قوله ] : ( واللاتي تخافون نشوزهن ) يحتمل : إذا رأى الدلالات - في أفعال المرأة ، وأقاويلها - على النشوز ، وكان للخوف موضع - : أن يعظها ، فإن أبدت نشوزا : هجرها ، فإن أقامت عليه : ضربها " .

[ ص: 209 ] " وذلك : أن العظة مباحة قبل فعل المكروه - : إذا رئيت أسبابه ، وأن لا مؤنة فيها عليها تضر بها . وإن العظة غير محرمة [من المرء ] لأخيه : فكيف لامرأته ؟ ! والهجر لا يكون إلا بما يحل به : لأن الهجرة محرمة - في غير هذا الموضع - فوق ثلاث . والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل " .

" [فالآية في العظة ، والهجرة ، والضرب على بيان الفعل ] : تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب - : من العظة ، والهجرة ، والضرب . - : مختلفة . فإذا اختلفت : فلا يشبه معناها إلا ما وصفت " .

" وقد يحتمل قوله تعالى : ( تخافون نشوزهن ) : إذا نشزن ، فخفتم [ ص: 210 ] لجاجتهن في النشوز - : أن يكون لكم جمع العظة ، والهجرة ، والضرب " .

* * *

وبإسناده ، قال : [قال ] الشافعي (رحمه الله ) : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) الآية " .

" الله أعلم بمعنى ما أراد : من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه : أمره أن يبعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها " .

" والذي يشبه ظاهر الآية : فما عم الزوجين [معا ، حتى يشتبه [ ص: 211 ] فيه حالاهما - : من الإباية ] " .

" [وذلك : أني وجدت الله (عز وجل ) أذن في نشوز الزوج ] : بأن يصطلحا ، وأذن في نشوز المرأة : بالضرب ، وأذن - في خوفهما : أن لا يقيما حدود [الله ] - : بالخلع " .

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه : بالحكمين دل ذلك : على أن حكمهما [غير حكم الأزواج غيرهما ] : أن يشتبه حالاهما في الشقاق : فلا يفعل الرجل : الصلح [ ص: 212 ] ولا الفرقة ، ولا المرأة : تأدية الحق ، ولا الفدية ، ويصيران - : من القول ، والفعل . - إلى ما لا يحل لهما ، ولا يحسن ، ويتماديان فيما ليس لهما : فلا يعطيان حقا ، ولا يتطوعان [ولا واحد منهما ، بأمر : يصيران به في معنى الأزواج غيرهما ] " .

" فإذا كان هكذا : بعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها . ولا يبعثهما : إلا مأمونين ، وبرضا الزوجين . ويوكلهما الزوجان : بأن يجمعا ، أو يفرقا : إذا رأيا ذلك " .

[ ص: 213 ] وأطال الكلام في شرح ذلك ، ثم قال في آخره : " ولو قال قائل : يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا " .

* * *

وبإسناده ، قال : قال الشافعي : " قال الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) " .

" يقال (والله أعلم ) : نزلت في الرجل : يكره المرأة ، فيمنعها - : كراهية لها . - حق الله (عز وجل ) : في عشرتها بالمعروف ، ويحبسها - : مانعا حقها . - : ليرثها عن [غير ] طيب نفس منها ، بإمساكه إياها على المنع " .

" فحرم الله (عز وجل ) ذلك : على هذا المعنى ، وحرم على الأزواج : [ ص: 214 ] أن يعضلوا النساء : ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) " .

" [وإذا أتين بفاحشة مبينة ] - ، وهي : الزنا . - ، فأعطين بعض ما أوتين - : ليفارقن . - : حل ذلك إن شاء الله . ولم يكن معصيتهن الزوج - فيما يجب له - بغير فاحشة : أولى أن يحل ما أعطين ، من : أن يعصين الله (عز وجل ) ، والزوج ، بالزنا " .

" قال : وأمر الله (عز وجل ) - في اللائي : يكرههن أزواجهن ، ولم يأتين بفاحشة . - : أن يعاشرن بالمعروف . وذلك : تأدية الحق ، وإجمال العشرة " .

" وقال تعالى : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا [ ص: 215 ] ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ) .

" فأباح عشرتهن - على الكراهية - : بالمعروف ، وأخبر : أن الله (عز وجل ) قد يجعل في الكره خيرا كثيرا " .

" والخير الكثير : الأجر في الصبر ، وتأدية الحق إلى من يكره ، أو التطول عليه " .

" وقد يغتبط - : وهو كاره لها . - : بأخلاقها ، ودينها ، وكفاءتها ، وبذلها ، وميراث : إن كان لها . وتصرف حالاته إلى الكراهية لها ، بعد الغبطة [بها ] " .

وذكرها في موضع آخر - هو : لي مسموع عن أبي سعيد ، عن [أبي ] العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي . - ، وقال فيه :

" وقيل : " إن هذه الآية نسخت ، وفي معنى : ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) نسخت بآية الحدود : فلم يكن على امرأة ، حبس : يمنع [به ] [ ص: 216 ] حق الزوجة على الزوج ، وكان عليها الحد " .

وأطال الكلام فيه ؛ وإنما أراد : نسخ الحبس على منع حقها : إذا أتت بفاحشة ، والله أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية