صفحة جزء
" ما يؤثر عنه في القرعة ، والعتق ، والولاء ، والكتابة "

وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ (إجازة ) : عن أبي العباس الأصم ، عن الربيع ، عن الشافعي (رحمه الله ) ، قال : " قال الله تبارك وتعالى : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) ؛ وقال تعالى : ( وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين ) ".

" فأصل القرعة - في كتاب الله عز وجل - : في قصة المقترعين [على مريم ] ، والمقارعين يونس (عليه السلام ) : مجتمعة ".

[ ص: 158 ] " ولا تكون القرعة (والله أعلم ) إلا بين القوم : مستوين في الحجة ".

" ولا يعدو (والله أعلم ) المقترعون على مريم (عليها السلام ) ، أن يكونوا : كانوا سواء في كفالتها ؛ فتنافسوها : لما كان : أن تكون عند واحد ، أرفق بها . لأنها لو صيرت عند كل واحد يوما أو أكثر ، وعند غيره مثل ذلك - : أشبه أن يكون أضر بها ؛ من قبل : أن الكافل إذا كان واحدا : كان أعطف له عليها ، وأعلم [ ص: 159 ] [له ] بما فيه مصلحتها - : للعلم : بأخلاقها ، وما تقبل ، وما ترد ؛ و [ما ] يحسن [به ] اغتذاؤها . - وكل من اعتنف كفالتها ، كفلها : غير خابر بما يصلحها ؛ ولعله لا يقع على صلاحها : حتى تصير إلى غيره ؛ فيعتنف : من كفالتها ؛ [ما اعتنف ] غيره ".

" وله وجه آخر : يصح ؛ وذلك : أن ولاية واحد إذا كانت صبية : غير ممتنعة مما يمتنع منه من عقل - : يستر ما ينبغي ستره . - : كان أكرم لها ، وأستر عليها : أن يكفلها واحد ، دون الجماعة ".

" ويجوز : أن تكون عند كافل ، ويغرم من بقي مؤنتها : بالحصص . كما تكون الصبية عند خالتها ، وعند أمها : ومؤنتها : على من عليه مؤنتها ".

[ ص: 160 ] " قال : ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها [السلام ] ) : أن يكونوا تشاحوا على كفالتها - فهو : أشبه والله أعلم - أو : يكونوا تدافعوا كفالتها ؛ فاقترعوا : أيهم تلزمه ؟ . فإذا رضي من شح على كفالتها ، أن يمونها - : لم يكلف غيره أن يعطيه : من مؤنتها ؛ شيئا . برضاه : بالتطوع بإخراج ذلك من ماله ".

" قال : وأي المعنيين كان : فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفعه عن نفسه ؛ أو تخلص له ما ترغب فيه نفسه ؛ وتقطع ذلك عن غيره : ممن هو في مثل حاله ".

" وهكذا [معنى ] قرعة يونس (عليه السلام ) : لما وقفت بهم السفينة ، فقالوا : ما يمنعها أن تجري إلا : علة بها ؛ وما علتها إلا : ذو ذنب [ ص: 161 ] فيها ؛ فتعالوا : نقترع . فاقترعوا : فوقعت القرعة على يونس (عليه السلام ) : فأخرجوه منها ، وأقاموا فيها ".

" وهذا : مثل معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها السلام )؛ لأن حالة الركبان كانت مستوية ؛ وإن لم يكن في هذا حكم : يلزم أحدهم في ماله ، شيئا : لم يلزمه قبل القرعة ؛ ويزيل عن أحد شيئا : كان يلزمه - : فهو يثبت على بعض الحق ، ويبين في بعض : أنه بريء منه . كما كان في الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها السلام ) : غرم ، وسقوط غرم "

" قال : وقرعة النبي (صلى الله عليه وسلم ) - في كل موضع أقرع فيه - : [في ] مثل معنى الذين اقترعوا على كفالةمريم (عليها السلام ) ، سواء : لا يخالفه ".

" وذلك : أنه (عليه السلام ) أقرع بين مماليك : أعتقوا معا ؛ فجعل العتق : تاما لثلثهم ؛ وأسقط عن ثلثيهم : بالقرعة . وذلك : أن المعتق [ ص: 162 ] - في مرضه - أعتق ماله ومال غيره : فجاز عتقه في ماله ، ولم يجز في مال غيره . فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم ) العتق : في ثلاثة ؛ ولم يبعضه . كما يجمع : في القسم بين أهل المواريث ؛ ولا يبعض عليهم ".

" وكذلك : كان إقراعه لنسائه : أن يقسم لكل واحدة منهن : في الحضر ؛ فلما كان في السفر : كان منزلة : يضيق فيها الخروج بكلهن ؛ فأقرع بينهن : فأيتهن خرج سهمها : خرج بها ، وسقط حق غيرها : في غيبته بها ؛ فإذا حضر : عاد للقسم لغيرها ، ولم يحسب عليها [ ص: 163 ] أيام سفرها ".

" وكذلك : قسم خيبر : [فكان ] أربعة أخماسها لمن حضر ؛ ثم أقرع : فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع - : كان له بكماله ، وانقطع منه حق غيره ؛ وانقطع حقه عن غيره ". .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية