صفحة جزء
أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) الآية ، ودلت السنة على [أن ] الوضوء من الحدث . وقال الله - عز وجل - : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) الآية . فكان الوضوء عاما في كتاب الله (عز وجل ) من الأحداث ، وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة ، دليلا (والله أعلم ) على : أن لا يجب غسل إلا من جنابة ، إلا أن تدل على غسل واجب : فنوجبه بالسنة : بطاعة الله في الأخذ بها . ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة ، ولم أعلم دليلا بينا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزئ غيره . وقد روي في غسل يوم الجمعة شيء ، فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ، ولسان العرب واسع " .

[ ص: 52 ] ثم ذكر ما روي فيه ، وذكر تأويله ، وذكر السنة التي دلت على وجوبه في الاختيار ، و[في ] النظافة ، ونفى تغير الريح عند اجتماع الناس ، وهو مذكور في كتاب المعرفة .

* * *

وفيما أنبأني أبو عبد الله (إجازة ) عن الربيع ، قال : قال الشافعي : (رحمه الله تعالى ) : " قال الله تبارك وتعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) الآية . فأبان : أنها حائض غير طاهر ، وأمرنا : أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ، ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء ، وتكون ممن تحل لها الصلاة " .

وفي قوله - عز وجل - : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) ، قال الشافعي : " قال بعض أهل العلم بالقرآن : فأتوهن من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعني في مواضع الحيض . وكانت الآية محتملة لما قال ، ومحتملة : أن اعتزالهن : اعتزال جميع أبدانهن ، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : على اعتزال ما تحت الإزار منها ، وإباحة ما فوقها " .

[ ص: 53 ] قال الشافعي : " وكان مبينا في قول الله - عز وجل - : ( حتى يطهرن ) : أنهن حيض في غير حال الطهارة ، وقضى الله على الجنب : أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل ، فكان مبينا : أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل ، ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ، ثم الغسل : لقول الله - عز وجل - : ( حتى يطهرن ) ، وذلك : انقضاء الحيض : ( فإذا تطهرن ) ، يعني : بالغسل ؛ لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض : الغسل ، ودلت على بيان ما دل عليه كتاب الله : من أن لا تصلي الحائض " ، فذكر حديث عائشة (رضي الله عنها ) ، ثم قال : " وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم ) عائشة (ضي الله عنها ) - : " أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " - : يدل على أن لا تصلي حائضا ؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما . ولذلك قال الله - عز وجل - : ( حتى يطهرن ) " .

قال الشافعي : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) الآيتين . فلما لم يرخص الله في أن تؤخر الصلاة [ ص: 54 ] في الخوف ، وأرخص : أن يصليها المصلي كما أمكنته رجالا وركبانا وقال : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ، وكان من عقل الصلاة من البالغين ، عاصيا بتركها : إذا جاء وقتها وذكرها ، [وكان غير ناس لها ] ، وكانت الحائض بالغة عاقلة ، ذاكرة للصلاة ، مطيقة لها ، وكان حكم الله : أن لا يقربها زوجها حائضا ، ودل حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض ، حرم عليها أن تصلي - : كان في هذا دليل [على ] أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها ، فإذا زال عنها - وهي ذاكرة عاقلة مطيقة - : لم يكن عليها قضاء الصلاة . وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها : بزوال فرضه عنها ؟ ! وهذا ما لم أعلم فيه مخالفا " .

* * *

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ (رحمه الله ) ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : " ومما نقل بعض من سمعت منه - : من أهل العلم - : أن الله (عز وجل ) أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس ، فقال : ( يا أيها المزمل قم الليل [ ص: 55 ] إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا ) أو ( زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . ) ثم نسخ هذا في السورة معه ، فقال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) قرأ إلى : ( وآتوا الزكاة ) . قال الشافعي : ولما ذكر الله (عز وجل ) بعد أمره بقيام الليل : نصفه إلا قليلا ، أو الزيادة عليه ، فقال : ( أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) ، فخفف ، فقال : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه ) : - كان بينا في كتاب الله (عز وجل ) نسخ قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف ، والزيادة عليه - : بقوله عز وجل : ( فاقرؤوا ما تيسر منه ) . ثم احتمل قول الله عز وجل : ( فاقرؤوا ما تيسر منه ) ، معنيين : أحدهما : أن يكون فرضا ثابتا ، لأنه أزيل به فرض غيره . (والآخر ) : أن يكون فرضا منسوخا : أزيل بغيره ، كما أزيل به غيره . وذلك لقول الله تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) الآية [ ص: 56 ] واحتمل قوله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) : أن يتهجد بغير الذي فرض عليه : مما تيسر منه : فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس ، فصرنا : إلى أن الواجب الخمس ، وأن ما سواها : من واجب : من صلاة ، قبلها - منسوخ بها ، استدلالا بقول الله - عز وجل - : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) ، فإنها ناسخة لقيام الليل ، ونصفه ، وثلثه ، وما تيسر . ولسنا نحب لأحد ترك ، أن يتهجد بما يسره الله عليه : من كتابه ، مصليا [به ] ، وكيفما أكثر فهو أحب إلينا " . ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد الله ، وعبادة بن الصامت ، في الصلوات الخمس .

أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال لنا الشافعي - رحمه الله . فذكر معنى هذا بلفظ آخر ، ثم قال : " ويقال : نسخ ما وصفت المزمل ، بقول الله - عز وجل - : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) ، ودلوك الشمس : زوالها ( إلى غسق الليل ) : العتمة ، ( وقرآن الفجر ) : الصبح ، ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به [ ص: 57 ] نافلة لك ، ) فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة ، وأن الفرائض فيما ذكر : من ليل أو نهار . قال الشافعي : ويقال : في قول الله - عز وجل - : ( فسبحان الله حين تمسون ) : المغرب ، والعشاء ( وحين تصبحون ) : الصبح ، ( وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا ) : العصر ، ( وحين تظهرون ) : الظهر . قال الشافعي : وما أشبه ما قيل من هذا ، بما قيل ، والله أعلم " .

* * *

وبه قال : قال الشافعي : " أحكم الله (عز وجل ) لكتابه : أن ما فرض - : من الصلوات - موقوت ، والموقوت (والله أعلم ) : الوقت الذي نصلي فيه ، وعددها . فقال - جل ثناؤه - : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .

* * *

وبهذا الإسناد [قال ] : قال الشافعي : قال الله - تبارك وتعالى - : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) .

قال : يقال : نزلت قبل تحريم الخمر . وأيما كان نزولها : قبل تحريم الخمر [ ص: 58 ] أو بعد [هـ ] ، فمن صلى سكران : لم تجز صلاته لنهي الله (عز وجل ) إياه عن الصلاة ، حتى يعلم ما يقول ، وإن معقولا : أن الصلاة : قول ، وعمل ، وإمساك في مواضع مختلفة . ولا يؤدي هذا كما أمر به ، إلا من عقله " .

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) وقال : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) ، فذكر الله الأذان للصلاة ، وذكر يوم الجمعة . فكان بينا (والله أعلم ) : أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا ، وسن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) الأذان للمكتوبات [ولم يحفظ عنه أحد علمته : أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة ] " .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية