صفحة جزء
قال الشيخ (رحمه الله ) : قرأت في كتاب القديم (رواية الزعفراني ، عن الشافعي ) - في قوله - عز وجل - : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) . - : " فهذا - عندنا - : على القراءة التي تسمع خاصة ؟ فكيف ينصت لما لا يسمع ؟ ! " .

وهذا : قول كان يذهب إليه ، ثم رجع عنه في آخر عمره ، وقال : " يقرأ بفاتحة الكتاب ، في نفسه ، في سكتة الإمام " . قال أصحابنا : " ليكون جامعا بين الاستماع ، وبين قراءة الفاتحة بالسنة " .

" وإن قرأ مع الإمام ، ولم يرفع بها صوته - : لم تمنعه قراءته في نفسه ، من الاستماع لقراءة إمامه . فإنما أمرنا : بالإنصات عن الكلام ، وما لا يجوز في الصلاة " . وهو مذكور بدلائله ، في غير هذا الموضع .

* * *

[ ص: 78 ] وقرأت في كتاب السنن (رواية حرملة ، عن الشافعي ، - رحمه الله - ) : قال : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( وقوموا لله قانتين ) . قال الشافعي : من خوطب بالقنوت مطلقا ، ذهب : إلى أنه : قيام في الصلاة . وذلك : أن القنوت : قيام لمعنى طاعة الله (عز وجل ) ، وإذا كان هكذا : فهو موضع كف عن قراءة ، وإذا كان هكذا ، أشبه : أن يكون قياما - في صلاة - لدعاء ، لا قراءة . فهذا أظهر معانيه ، وعليه دلالة السنة ، وهو أولى المعاني أن يقال به ، عندي ، والله أعلم " .

" قال الشافعي (رحمه الله ) : وقد يحتمل القنوت : القيام كله في الصلاة .

وروي عن عبد الله بن عمر : " قيل : أي الصلاة ؟ قال : طول القنوت " .

وقال طاوس : القنوت ، طاعة الله - عز وجل - " .

" وقال الشافعي (رحمه الله ) : وما ، وصفت - : من المعنى الأول . - أولى المعاني به ، والله أعلم " .

" قال : فلما كان القنوت بعض القيام ، دون بعض - : لم يجز (والله أعلم ) أن يكون إلا ما دلت عليه السنة : من القنوت للدعاء ، دون القراءة " .

" قال : واحتمل قول الله (عز وجل ) : ( وقوموا لله قانتين ) : قانتين [ ص: 79 ] في الصلاة كلها ، وفي بعضها دون بعض . فلما قنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في الصلاة ، ثم ترك القنوت في بعضها ، وحفظ عنه القنوت في الصبح بخاصة - : دل هذا على أنه إن كان الله أراد بالقنوت : القنوت في الصلاة ، فإنما أراد به خاصا " .

" واحتمل : أن يكون في الصلوات ، في النازلة . واحتمل طول القنوت : طول القيام . واحتمل القنوت : طاعة الله واحتمل السكات " .

" قال الشافعي . ولا أرخص في ترك القنوت في الصبح ، سأل : لأنه إن كان اختيارا من الله ، ومن رسوله (صلى الله عليه وسلم ) : لم أرخص في ترك الاختيار ، وإن كان فرضا : كان مما لا يتبين تركه ، ولو تركه تارك : كان عليه أن يسجد للسهو كما يكون ذلك عليه : لو ترك الجلوس في شيء " .

قال الشيخ - في قوله : " احتمل السكات " . - : أراد : السكوت عن كلام الآدميين ، وقد روينا عن زيد بن أرقم : " أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، فنزلت هذه الآية . قال : فنهينا عن الكلام ، وأمرنا بالسكوت " .

[ ص: 80 ] وروينا عن أبي رجاء العطاردي : أنه قال : " صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح - ، وهو أمير على البصرة - ، فقنت ، ورفع يديه : حتى لو أن رجلا بين يديه لرأى بياض إبطيه ، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه ، فقال : هذه الصلاة : التي ذكرها الله (عز وجل ) في كتابه : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) " .

التالي السابق


الخدمات العلمية