61 - فإن قيل : فالحجة إذا مستند  
الإجماع  مقدرا ، وليس الإجماع في نفسه دليلا .  
قلنا : الآن لما انكشف الغطاء وبرح الخفاء ، فالحق المتبع أن الإجماع في نفسه ليس حجة ، إذ لا يتصور من المجمعين الاستقلال بإنشاء حكم من تلقاء أنفسهم ، وإنما يعتقد فيهم العثور على أمر      
[ ص: 53 ] جمعهم على الإجماع ، فهو المعتمد والإجماع مشعر به .  
وليس قول المجمعين بأعلى منصبا من قول المصطفى .  
ولا يستريب محصل أن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستقل دليلا ، ولا ينهض بنفسه إلى الحق سبيلا ، ولكن المعجزة شهدت بعصمته ، وصدق لهجته فيما ينقله عن إله الخلق .  
فالعقول والنهى قاضية بأن إلى الله المنتهى ، فأمره المطاع حقا ، والرسل مبلغون عنه صدقا ، والإجماع مشعر بحجة تقدم الوفاق سبقا .  
62 - فلينظر الموفق اللبيب إلى هذا الترتيب العجيب : قدمنا وجه الإشكال ، وضيق المجال في صيغة سؤال ، ثم افتتحنا في إثبات الإجماع قاعدة لم نسبق إليها ، ولم نزحم عليها ، ثم لم نبد المقصود دفعة واحدة ، هجوما في إثبات الإجماع ، بل رأينا أن نجعل المسالك إلى مدارك الحق وظائف مترتبة ونجوما ، واشتملت الأسئلة المدرجة في أثناء الكلام على الانتهاء إلى معاصات الإشكال ،      
[ ص: 54 ] وانطوت طرق الانفصال على إيضاح الحق في صيغة هي السحر الحلال ، ثم لما فضضنا ختام كل مبهم مجمل ، نصصنا على الغرض وطبقنا المفصل .  
وقد تجاوزنا حد الاقتصاد قليلا ; فإنا لم نجد للمسائل القطعية في الإمامة سوى الإجماع تعويلا ، فآثرنا أن نورد في إثباته كلاما بالغا ينجح به المنتهي ، ويستقل به الشادي المبتدي .