الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

الجويني - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

صفحة جزء
209 - والشكوى إلى الله ثم إلى كل محصل مميز ، من تصانيف [ ص: 141 ] ألفها مرموق ، متضمنها ترتيب وتبويب ، ونقل أعيان كلام المهرة الماضين ، والتنصيص على ما تعب فيه السابقون ، مع خبط كثير في النقل وتخليط ، وإفراط وتفريط ، لا يرضى بالتلقب بالتصنيف مع الاكتفاء بالنقل المجرد حصيف ، ثم من لم يكن في تأليفه وتصنيفه على بصيرة ، لم يتميز له المظنون عن المعلوم ، والتبست عليه مسالك الظنون بمدارك العلوم ، وإنما جر هذه الشكاية نظري في كتاب لبعض المتأخرين مترجم بالأحكام السلطانية ، مشتمل على حكاية المذاهب ، ورواية الآراء والمطالب ، من غير دراية وهداية ، وتشوف إلى مدرك غاية ، وتطلع إلى مسلك يفضي إلى نهاية ، وإنما مضمون الكتاب نقل [ ص: 142 ] مقالات على جهل وعماية ، وشر ما فيه وهو الأمر المعضل الذي يعسر تلافيه ، سياقة المظنون والمعلوم على منهاج واحد ، وهذا يؤدي إلى ارتباك المسالك ، واشتباك المدارك ، والتباس اليقين بالحدوس ، واعتياص طرائق القطع في هواجس النفوس .

210 - ومن الأحكام المشكلة في سبل الظن في هذا الفن ، أن المعهود إليه متى يدخل وقت قبوله العهد ؟ اختلف العلماء في ذلك ، فذهب ذاهبون إلى أنه يدخل أوان القبول بموت المولي ، كما يدخل وقت قبول الوصاية بموت الموصي ، ووجه ذلك أنه لا يملك المولى صاحب العهد أحكام الزعامة والإمامة ، ولا يستقل بالإيالة والسياسة ، ما دام المولي العاهد حيا ، فلا معنى للقبول في حال حياته كالوصاية .

211 - وصار صائرون إلى أنه يقبل في حياة العاهد ; فإن تولية العهد من عظائم الأمور ، وإنما يعهد الإمام إلى مستجمع لشرائط [ ص: 143 ] الإمامة ، نظرا للمسلمين ، واستيثاقا في الدين ، وسكونا إلى إعداد وزر وملاذ ، وركونا إلى اعتاد موئل ومعاذ ، وإنما يتم هذا الغرض بأن تلزم التولية في حياته ، فيقدر وفاته والإمامة معقودة ، وساحة للإمام مورودة مصمودة ، فيجر في الإمامة أذيالها ، ولا تنتثر أحوالها .

212 - وينبني على هذا الخلاف أمر خلع المعهود إليه ، فمن أخر القبول إلى ما بعد الموت ملك المولي صرف المعهود إليه ، كما يصرف الموصي الموصى إليه .

ومن نجز القبول منع خلع المعهود إليه من غير سبب يقتضيه ، وصير الإمام العاهد كالمختار العاقد ، ومعلوم أن من صح منه عقد الإمامة من أهل الاختيار لم يملك الخلع على حكم الإيثار ، فكذلك القول في المولي العاهد ، مع [ المولى ] المعهود إليه ، وينقدح في ذلك للخلاف وجه فإن الإمامة ما تمت بعد لولي العهد بخلاف من عقد له الإمامة أهل الاختيار .

[ ص: 144 ] 213 - والأظهر منع الخلع من غير سبب يوجبه .

214 - ولو عين الإمام من ليس على شرائط الإمامة ، ولكنه علق التولية على استجماع الصفات المرعية ، فالوجه بطلان التولية من جهة أنه أساء في الاختيار ، والغرض من العهد تنجيز نظر ، وكفاية للمسلمين هواجم خطر عند موت المولي على أقصى الإمكان في الحال والأوان .

215 - وليس ذلك مقطوعا به أيضا فللاحتمال عند انعدام القواطع ، وانحسام البراهين السواطع مضطرب رحب ، وللظنون مجر وسحب .

216 - ومن قال : ممن يصلح للخلافة : إذا أفضت الخلافة إلي ، فولي عهدي فلان ، ثم انتهت إليه النوبة ، لم يكن لما صدر منه قبل الخلافة وقع في وضع الشرع . وهذا متفق عليه ، على البت والقطع ، فإنه تصرف وليس إليه من الأمر شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية