الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

الجويني - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

صفحة جزء
7 - ولكل كتاب معمود ومقصود ، ومنتحى مصمود ، يجري مجرى الأساس من البنيان ، والروح من الحيوان ، والعذبة من [ ص: 15 ] اللسان ، وها أنا أبوح بمضمون الكتاب وسره ، ثم أنفث لهيب الفكر صاليا بحره ، وأتبرأ عن حولي وقوتي ، لائذا بتأييد الله ونصره .

8 - فأقول : أقسام الأحكام ، وتفاصيل الحلال والحرام ، في مباغي الشرع ومقاصده ، ومصادره وموارده ، يحصرها قسمان ، ويحويها في متضمن هذا المجموع نوعان : أحدهما : ما يكون ارتباطه وانتياطه بالولاة والأئمة ، وذوي الإمرة من قادة الأمة ، فيكون منهم المبدأ والمنشأ ، ومن الرعايا الارتسام والتتمة .

والثاني : ما يستقل به المكلفون ، ويستبد به المأمورون المتصرفون .

9 - وأنا بعون الله وتوفيقه أذكر في القسم الأول ، في صفة الأئمة والولاة ، والرعاة والقضاة ، أبوابا منظمة ، تجري من مقصود القسم مجرى المقدمة . على أني آتي فيها ، وإن لم تكن مقصود الكتاب بالعجائب والآيات ، وأشير بالمرامز إلى منتهى الغايات ، وأوثر الإيجاز والتقليل ، مع تحصيل شفاء الغليل ، واختيار [ ص: 16 ] الإيجاز على التطويل ، بعد وضوح ما عليه التعويل ، ثم أقدر شغور الحين عن حماة الدين ، وولاة المسلمين ، وأوضح إذ ذاك مرتبط قضايا الولاية ، وأنهي الكلام إلى منتهى الغاية ، فإنه المقصود بالدرك والدراية ، وما نقدمه في حكم التوطئة والبداية .

10 - ثم أنعطف على القسم الثاني ، وهو الذي يستوي إليه في الاحتياج القاصي والداني ، وأبين أن المستند المعتضد في الشريعة نقلتها ، والمستقلون بأعبائها وحملتها ، وهم أهل الاجتهاد الضامون إلى غايات علوم الشرع شرف التقوى والسداد ، فهم العماد والأطواد ، فلو شغر الزمان عن الأطواد والأوتاد ، فعند ذلك ألتزم شيمة الأناة والاتئاد ، فليت شعري ما معتصم العباد ، إذا طما بحر الفساد ؟ واستبدل الخلق الإفراط والتفريط عن منهج الاقتصاد ، وبلي المسلمون بعالم لا يوثق به لفسقه ، وبزاهد لا يقتدى به لخرقه ؟ ؟ ! أيبقى بعد ذلك مسلك في الهدى ، أم يموج الناس بعضهم في بعض مهملين سدى ، متهافتين على [ ص: 17 ] مهاوي الردى ؟ فإلى متى أردد من التقديرات فنونا ؟ وأجعل الكائن المستيقن مظنونا ؟ .

كان الذي خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا .

عم من الولاة جورها واشتطاطها ، وزال تصون العلماء واحتياطها ; وظهر ارتباكها في جراثيم الحطام واختباطها ، وانسل عن لجام التقوى رءوس الملة وأوساطها ، وكثر انتماء القرى إلى الظلم واختلاطها ! ! . ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ) ؟ ؟ .

فإن وجدت للدين معتضدا ، وألفيت للإسلام منتصرا ، بعدما درست أعلامه ، وآذنت بالانصرام أيامه ، كنت كمن يمهد لرحا الحق مقر القطب ، ويضع الهناء مواضع النقب .

[ ص: 18 ] 11 - والآن كما يفضي مساق هذا الترتيب إلى تسمية الكتاب والتلقيب .

وقد تحقق للعالمين أن صدر الأيام وموئل الأنام ، ومن هو حقا معول الإسلام ، يدعى بأسماء تبر عليها معانيه ، ويفوق فحواها معاليه ، فهو غياث الدولة . وهذا إذا تم : ( غياث الأمم في التياث الظلم ) .

فليشتهر بالغياثي كما شهر الأول بالنظامي .

والله ولي التأييد والتوفيق ، وهو بإسعاف راجيه حقيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية