الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

الجويني - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

صفحة جزء
فأما : الفصل الثالث

409 - فمضمونه الرد على من يرى تعزير المسرفين الموغلين باتباع الشبهات ، واقتراف السيئات ، واتباع الهنات بالمصادرات ، من غير فرض افتقار وحاجات .

وهذا مذهب جدا ردي ، ومسلك غير مرضي ، فليس في الشريعة أن اقتحام المآثم يوجه إلى مرتكبيها ضروب ( 153 ) المغارم ، وليس في أخذ أموال منهم أمر كلي ، يتعلق بحفظ الحوزة ، والذب عن البيضة ، وليس يسوغ لنا أن نستحدث وجوها في استصلاح العباد ، وجلب أسباب الرشاد ، لا أصل لها في الشريعة ، فإن هذا يجر خرما عظيما ، وخطبا هائلا جسيما .

410 - فإن قيل : قد ذكرت تسويغ وظائف لم يحم عليها طائف ، فكيف تأبى التهذيب والتأديب بقطع مادة الفساد [ ص: 288 ] وإن لم يعهد ذلك منصوصا مذكورا في الشرع مخصوصا .

قلنا : ما ذكرته من الوظائف مستنده إجماع العلماء كافة حيث نزلوا [ وارتحلوا ] ، وعقدوا أو حلوا - على وجوب الذب عن حريم الإسلام .

فإذا لم نصادف في بيت المال مالا اضطررنا لتمهيد الدين ، وحفظ حوزة المسلمين - إلى الأخذ من أموال الموسرين ، ثم عرفنا على الجملة أن الاقتصاد مسلك الرشاد ، ولم نر في تفصيل مثل هذه القاعدة أصلا في الشرع فنتبعه ، فتبينا قطعا . أن ما عم وقعه ، وشمل وضعه ، وعظم نفعه ، فهو أقرب معتبر .

وأما نزف أموال العصاة ، فلا نرى له أصلا .

411 - نعم لا يبعد أن يعتني الإمام عند مسيس الحاجات بأموال العتاة ، وهذا فيه أكمل مردع ومقنع ، فإن العتاة العصاة إذا علموا ترصد الإمام لأموالهم لاضطراب حالاتهم عند اتفاق إضافة أعوان المسلمين وحاجاتهم - كان ذلك وازعا لهم عن مخازيهم وزلاتهم .

[ ص: 189 ] 412 - فإن قيل : أليس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شاطر خالد بن الوليد ماله ، وشاطر عمرو بن العاص ماله ، حتى أخذ رسوله إليه نصف عمامته ، وفرد نعله ؟

قلنا : ما فعله - رضي الله عنه - محمول على محمل سائغ ( 154 ) واضح ، وسبيل بين لائح ، وهو أنهما كانا خامرا في إمرة الأجناد والبلاد أموالا لله ، وكان لا يشذ عنه - رضي الله عنه - مجاري أحوال مستخلفيه ، فلعله رآهما مجاوزين حدود الاستحقاق ثم أنعم النظر ، وأطال الفكر ، وقدم الرأي وأخر ، فرأى ما أمضى ، وشهد وغبنا ، وقدره أجل وأعلى من أن يتجاوز ويتعدى .

413 - فهذه جمل من أبواب الأموال من طريق الإيالة المؤيدة بالحق ، المقيدة بشهادة [ الشرع ] والصدق كافية ، ومسالك مرشدة شافية ، أبرزتها بتوفيق الله من ناحية الإشكال إلى ضاحية الإيضاح ، كأنها غيداء ، مشنفة مقرطة بالدرر والأوضاح .

فأين تقع هذه الفصول من كتب مضمونها أقوال و [ إغارة ] [ ص: 290 ] على كتب رجال ، مع اختباط واختبال ، [ واختزاء ] وافتضاح ؟ ولكن سل الحسناء عن بخت القباح ! ! .

414 - انتهى مجامع القول في أموال بيت المال ، ونجز بنجازها غرضنا في هذا الكتاب في تفصيل ما إلى الأئمة وولاة الأمر .

ونحن الآن نعقد فصلا في مستخلفي الإمام ، وقد مضى فيما تقدم صدر صالح فيهم ، ولكنا أحلنا استقصاء المقاصد ، واستيفاء سبل المراشد على هذا الباب .

والآن نفي إن شاء الله عز وجل بالمواعيد ، ونستعين بالله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية