الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

الجويني - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

صفحة جزء
[ واجبات ( نظام الملك وما عليه ]

فأقول :

537 - حقوق الله تعالى على عبيده على قدر النعم ، والهموم بقدر الهمم ، وأنعم الله إذا لم تشكر نقم ، والموفق من تنبه لما له وعليه ، قبل أن تزل به القدم ، وحظوظ الدنيا خضراء الدمن ، لا تبقى على مكر الزمن ، والمسدد من نظر في أولاه لعاقبته ، وتزود من مكنته في دنياه لآخرته .

[ ص: 377 ] [ أ - الإحاطة بالأخبار والأحوال ] 538 - فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على [ اعتقاب ] الأيام والليالي ، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار فإن النظر في أمور الرعايا يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا ، وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف ، وأسبلت العماية دون معرفتها أسداد الأعراف ، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية على صفة الإشراق والإشراف .

امتدت أيدي الظلمة ( 200 ) إلى الضعفة بالإهلاك والإتلاف [ والثلة ] إذا نام عنها راعيها عاشت طلس الذئاب فيها ، وعسر تداركها وتلافيها ، والتيقظ والخبرة أس الإيالة ، وقاعدة الإمرة ، وإذا عمى المعتدون أخبارهم ، أنشبوا في المستضعفين أظفارهم ، واستجرؤوا [ ثم ] على الاعتداء .

ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم ويخون حينئذ المؤتمن ، ويغش الناصح ، وتشيع المخازي والفضائح ، وتبدو [ ص: 378 ] في أموال بيت المال دواعي الاختزال والاستزلال والغلول ، ويمحق في أدراج خمل الخمول ، وقد يفضي الأمر إلى ثوران الثوار في أقاصي الديار ، واستمرار تطاير شرار الأشرار ، وليس من الحزم الثقة بمواتاة الأقدار والاستنامة إلى مدار الفلك الدوار ، فقد يثور المخدور من مكمنه ، ويؤتى الوادع الآمن من مأمنه ، ثم ما أهون البحث والتنقير على من إليه مقاليد التدبير .

539 - على أن هذا الخطب الخطير قريب المدرك يسير ، فلو اصطنع صدر الدين والدنيا من كل بلدة زمرا من الثقات على ما يرى ، ورسم لهم أن ينهوا إليه تفاصيل ما جرى ، فلا يغادروا نفعا ولا ضرا إلا بلغوه اختفاء وسرا ، لتوافت دقائق الأخبار وحقائق الأسرار على مخيم العز غضة طرية ، وتراءت للحضرة [ ص: 379 ] العلية مجاري الأحوال في الأعمال القصية .

فإذا استشعر أهل الخبل والفساد أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد ، آثروا الميل طوعا أو كرها ، إلى مسالك الرشاد ، وانتظمت أمور البلاد والعباد .

وما ذكرته - لو قدر الله - نتيجة خطرة وفكرة ، وموجب التفاتة من الرأي السامي ونظرة .

وهذا ( 201 ) الذي رمزت إليه على قرب مدركه ويسره [ مدرأة ] لغائلة كل أمر وعسره ، من غير بذل مؤنة ، واستمداد معونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية