صفحة جزء
38 - [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان [الفسوي ] ببغداد ، ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان [الفسوي ] قال : سمعت علي بن الحسن بن شقيق قال : قلت لابن المبارك : ما الذي لا يسع المؤمن [من ] تعليم العلم إلا أن يطلبه ؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلمه ؟ قال : لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم ، ولا يسعه حتى يسأل ] .

قال أبو عمر : قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ [ ص: 57 ] في [خاصة نفسه ] ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع . واختلفوا في تلخيص ذلك ، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له ، [ولا شبه له ، ولا مثل له ] ، ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) خالق كل شيء وإليه [يرجع ] كل شيء ، المحيي المميت الحي الذي لا يموت ، [عالم الغيب والشهادة ، هما عنده سواء ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ] ، [والذي عليه جماعة أهل السنة ] [والجماعة ] [أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ] ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء ، وهو على العرش استوى .

والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله ، وخاتم أنبيائه حق ، وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال ، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ، ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق .

وأن القرآن كلام الله ، وما فيه حق من عند الله [يلزم ] الإيمان بجميعه ، [ ص: 58 ] واستعمال محكمه .

وأن الصلوات الخمس [فريضة ] ويلزمه من علمها [علم ] ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها .

وأن صوم رمضان فرض ، ويلزمه علم ما يفسد صومه ، وما لا يتم إلا به .

وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ، ومتى [تجب ] ، وفي كم تجب . [ولزمه ] أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع [السبيل إليه ] إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا ، وتحريم الخمر ، وأكل الخنزير ، وأكل الميتة ، والأنجاس كلها . والسرقة ، والربا ، والغصب ، والرشوة [في ] الحكم ، والشهادة بالزور ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وبغير طيب من أنفسهم ؛ [إلا ] إذا كان شيئا لا يتشاح فيه ولا يرغب في مثله ، وتحريم الظلم كله ؛ [وهو [كل ما ] منع الله عز وجل منه ورسوله صلى الله عليه وسلم ] . وتحريم نكاح الأمهات [والبنات ] والأخوات ومن ذكر معهن ، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق ، وما كان مثل هذا كله مما [قد ] نطق [به الكتاب ] ، وأجمعت الأمة عليه ، ثم سائر العلم [وطلبه والتفقه فيه ، وتعليم الناس إياه وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم ] ، والحكم به بينهم فرض [ ص: 59 ] على الكفاية ، يلزم الجميع فرضه ، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه ، لا خلاف بين العلماء في ذلك ، وحجتهم فيه قول الله عز وجل ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) فألزم النفير في ذلك البعض دون الكل ، [ثم ينصرفون ] ، فيعلمون غيرهم ، والطائفة في لسان العرب : الواحد فما فوقه .

[وكذلك ] الجهاد فرض على الكفاية لقول الله عز وجل : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله . . . ) إلى قوله : ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا [عظيما ] ) ففضل المجاهد ولم يذم المتخلف ، والآيات في فرض الجهاد كثيرة جدا ، وترتيبها مع الآية التي ذكرنا على حسب ما وصفنا عند جماعة أهل العلم ، فإن أطل العدو بلدة لزم الفرض حينئذ جميع أهلها ، وكل من قرب منها ؛ إن علم ضعفها عنه ، [وأمكنه ] نصرتها لزمه فرض ذلك أيضا .

قال أبو عمر : ورد السلام عند أصحابنا من هذا الباب فرض على الكفاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

التالي السابق


الخدمات العلمية