صفحة جزء
ذكر ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل في مراتب من تفقه في الدين

175 - أنا أبو بكر البرقاني ، نا أبو بكر : أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي - لفظا - ، أنا الحسن بن سفيان ، نا عبد الله بن براد الأشعري .

قال الإسماعيلي ، وأخبرني أبو يعلى - يعني : الموصلي - نا أبو كريب .

قال : وأنا القاسم بن زكريا ، نا أبو كريب ، وإبراهيم الجوهري ، ويوسف المسروقي ، وقاسم بن دينار ، قالوا : نا أبو أسامة ، عن يزيد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن مثل ما آتاني الله من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضا كانت منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها - قال الحسن : - أجادب - ولم يضبط أبو يعلى والقاسم هذا الحرف - أمسكت الماء ، فنفع الله به الناس ، فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وطائفة أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل - كذا قال أبو يعلى وحده - ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به " .

وقال أبو يعلى : " وأحادب " ، وقال الحسن [ ص: 180 ] والقاسم : " فعلم وعلم " .

قد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مراتب الفقهاء والمتفقهين ، من غير أن يشذ منها شيء ، فالأرض الطيبة هي مثل الفقيه الضابط لما روى ، الفهم للمعاني ، المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة ، والأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس ، هي مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت فقط ، وضبطته وأمسكته ، حتى أدته إلى غيرها محفوظا غير مغير ، دون أن يكون لها فقه تتصرف فيه ، ولا فهم بالرد المذكور وكيفيته ، لكن نفع الله بها في التبليغ ، فبلغت إلى من لعله أوعى منها ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رب مبلغ أوعى من سامع ، ورب حامل فقه ليس بفقيه " .

ومن لم يحفظ ما سمع ، ولا ضبط ، فليس مثل الأرض الطيبة ، ولا مثل الأجادب ، بل هو محروم ، ومثله مثل القيعان ، التي لا تنبت [ ص: 181 ] كلأ ، ولا تمسك ماء ، وقد قال الله سبحانه : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، وقال تعالى : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) ، وشبه التارك للعلم ، رغبة عنه واستهانة به وتكذيبا له بالكلب ، فقال تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) إلى أن قال : ( فمثله كمثل الكلب ) إلى آخر الآية .

[ ص: 182 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية