صفحة جزء
280 - أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعيد السجستاني ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي [ ص: 284 ] : " فإن قال قائل : فأين الدلالة على قبول خبر الواحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قيل له إن شاء الله : كان الناس مستقبلي بيت المقدس ، ثم حولهم الله إلى البيت الحرام ، فأتى أهل قباء آت وهم في الصلاة ، فأخبرهم : أن الله أنزل على رسوله كتابا ، وأن القبلة حولت إلى بيت الله الحرام ، فاستداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة .

وأن أبا طلحة وجماعة كانوا يشربون الشراب فضيخ بسر ، ولم يحرم يومئذ من الأشربة شيء ، فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت ، فأمروا أناسا فكسروا جرار شرابهم ذلك ، ولا أشك أنهم لا يحدثون مثل هذا إلا ذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله ، ويشبه أن لو كان قبول خبر من أخبرهم وهو صادق عندهم ، مما لا يجوز لهم قبوله ، أن يقول لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد كنتم على قبلة لم يكن لكم أن تتحولوا عنها ، إذ كنت حاضرا معكم حتى أعلمكم أو يعلمكم جماعة أو عدد يسميهم لهم ، ويخبرهم أن الحجة تقوم عليهم بمثلها ، لا بأقل منها ، إن كانت لا تثبت عنده بواحد ، والفساد لا يجوز عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عند عالم ، وهراقه حلال فساد ، ولو لم تكن الحجة أيضا تقوم عليهم بخبر من أخبرهم بتحريم الخمر لأشبه أن يقول لهم : قد كان لكم حلالا ، ولم يكن عليكم إفساده حتى أعلمكم أن الله حرمه أو [ ص: 285 ] يأتيكم عدد يحدهم لهم بخبر عني بتحريمه .

وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة أن تعلم امرأة أن تعلم زوجها إن قبلها وهو صائم لا يحرم عليه ، ولو لم ير الحجة تقوم عليه بخبرها ، إذا صدقها لم يأمرها إن شاء الله به .

وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة رجل ، فإن اعترفت رجمها ، فاعترفت فرجمها ، وفي ذلك إماتة نفسها باعترافها عند أنيس ، وهو واحد .

وأمر عمرو بن أمية الضمري ، أن يقتل أبا سفيان ، وقد سن عليه إن علمه أسلم لم يحل له قتله ، وقد يحدث الإسلام قبل أن يأتيه عمرو بن أمية .

وأمر أنيسا أو عبد الله بن أنيس ، أن يقتل خالد بن سفيان الهذلي فقتله ، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أسلم أن لا يقتله .

وكل هؤلاء في معاني ولاته ، وهم واحد ، واحد يمضون الحكم بأخبارهم " .

قال الشافعي [ ص: 286 ] : " وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعماله واحدا واحدا ، ورسله واحدا واحدا ، وإنما بعث بعماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شرائع دينهم ، ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليهم ، ويعطوهم ما لهم ، ويقيموا عليهم الحدود ، وينفذوا فيهم الأحكام ، ولم يبعث منهم واحدا إلا مشهورا بالصدق عند من بعثه إليه ، ولو لم تقم الحجة عليهم بهم - إذ كانوا في كل ناحية وجههم إليهم أهل صدق عندهم - ما بعثهم إن شاء الله ، وبعث أبا بكر واليا على الحج ، وكان في معنى عماله ، ثم بعث عليا بعده ، بأول سورة براءة ، فقرأها في مجمع الناس في الموسم ، وأبو بكر واحد ، وعلي واحد ، وكلاهما بعثه بغير الذي بعث به صاحبه ، ولم تكن الحجة تقوم عليهم ببعثته كل واحد منهما - إذ كانا مشهورين عند عوامهم بالصدق ، وكان من جهلهما من عوامهم وجد من يثق به من أصحاب يعرف صدقهما - ما بعث واحدا منهما . فقد بعث عليا بعظيم ، نقض مدد وإعطاء مدد ، ونبذ إلى قوم ، ونهي عن أمور وأمر بأخرى ، وما كان لأحد من المسلمين بلغه علي : أن له مدة أربعة أشهر أن يعرض لهم في مدتهم ، ولا مأمور بشيء ولا منهي عنه برسالة علي أن يقول له : أنت واحد ، ولا تقوم علي الحجة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثك إلي بنقض شيء جعله لي ، ولا بإحداث شيء لم يكن لي ولا لغيري ، ولا بنهي عن أمر ، لم أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ، ولا بإحداث أمر أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدثه ، وما يجوز هذا لأحد في شيء قطعه عليه علي برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أعطاه [ ص: 287 ] إياه ، ولا أمره به ، ولا نهاه عنه ، بأن يقول لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم ينقله إليه عدد ، فلا أقبل فيه خبرك وأنت واحد ، ولا كان لأحد وجه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملا يعرفه أو يعرفه له من يصدقه ، فصدقه أن يقول له العامل : عليك أن تعطي كذا أو تفعل كذا ، أو يفعل بك كذا ، فيقول : لا أقبل هذا منك ، لأنك واحد حتى ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عن خبرك ، وقد يمكن أن تغلط ، أو يحدثنيه عامة يشترط في عددهم وإجماعهم على الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشهادتهم معا أو متفرقين ، ثم لا يذكر أحد من خبر العامة عددا أبدا ، إلا وفي العامة عدد أكثر منه ، ولا من اجتماعهم حين يخبرون تفرقهم شيئا إلا أمكن في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعض زمانه ، حين كثر أهل الإسلام فلا يكون لتثبيت الأخبار غاية أبدا ينتهى إليها ، ثم لا يكون هذا لأحد من الناس ، أجوز منه لمن قال هذا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانيهم لأنه يدرك لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدرك ذلك له أبوه وإخوته وقرابته ومن يصدقه في نفسه ، ويفضل صدقه بالنظر له ، فإن الكاذب قد يصدق من نظر له ، فإذا لم يجز هذا لأحد يدرك لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدرك خبر من يصدق من أهله والعامة عنه ، كان لمن جاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لا يلقاه في الدنيا أولى أن لا يجوز " .

التالي السابق


الخدمات العلمية