صفحة جزء
345 - أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : " إنا لنذبح ما شاء الله من ضحايانا ، ثم نتزود بقيتها إلى البصرة " .

قال الشافعي : " فهذه الأحاديث تجمع معان : منها : أن حديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، وحديث عبد الله بن واقد متفقان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفيهما دلالة على أن عليا ، سمع النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النهي بلغ عبد الله بن واقد .

ودلالة على أن الرخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تبلغ عليا ولا عبد الله بن واقد ، ولو بلغتهما الرخصة ما حدثا بالنهي والنهي منسوخ ، وتركا الرخصة والرخصة ناسخة ، والنهي منسوخ لا يستغني سامعه عن علم ما نسخه . [ ص: 347 ]

وقول أنس بن مالك : كنا نهبط بلحوم الضحايا البصرة يحتمل أن يكون أنس سمع الرخصة ، ولم يسمع النهي قبلها ، فتزود بالرخصة ولم يسمع نهيا ، أو سمع الرخصة والنهي ، فكان النهي منسوخا ، فلم يذكره ، فقال كل واحد من المختلفين بما علم .

وهكذا يجب على كل من سمع شيئا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ثبت له عنه أن يقول منه بما سمع حتى يعلم غيره " .

قال الشافعي : فلما حدثت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ، ثم الرخصة فيها بعد النهي ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه إنما نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدافة ، كان الحديث التام المحفوظ أوله وآخره ، وسبب التحريم والإحلال فيه حديث عائشة ، وكان على من علمه أن يصير إليه ، وحديث عائشة من أبين ما يوجد في الناسخ والمنسوخ من السنن ، وهذا يدل على أن بعض الحديث يختصر فيحفظ بعضه دون بعض ، فيحفظ منه شيء كان أولا ، ولا يحفظ آخرا ، ويحفظ آخرا ولا يحفظ أولا ، فيؤدي كل ما حفظ ، والرخصة بعدها في الإمساك والأكل والصدقة من لحوم الضحايا إنما هي لواحد من معنيين ، لاختلاف الحالين : فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ، وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود ، والإدخار والصدقة . [ ص: 348 ]

ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا بكل حال ، فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء .

قلت : وإذا تعارض خبران من رواية صحابيين كان أحدهما أقدم صحبة كابن مسعود ، وابن عباس ، لم يجز أن ينسخ خبر الأقدم بالأحدث لأنهما عاشا إلى أن قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون الأقدم سمع ما رواه بعد سماع الأحدث ، ولأنه يجوز أن يكون الأحدث أرسله عمن قدمت صحبته ، فلا تكون روايته متأخرة عن رواية الأقدم ، فلا يجوز النسخ مع الاحتمال .

[ ص: 349 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية