صفحة جزء
515 - أنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا مسدد ، نا يحيى ، عن شعبة ، قال حدثني أبو عون ، عن الحارث بن عمرو ، عن ناس ، من أصحاب معاذ ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما بعثه إلى اليمن ، فذكر معناه .

فإن اعترض المخالف بأن قال : لا يصح هذا الخبر ، لأنه يروى عن أناس من أهل حمص لم يسموا فهم مجاهيل ، فالجواب : أن قول الحارث بن عمرو ، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ ، يدل على شهرة الحديث ، وكثرة رواته ، وقد عرف فضل معاذ وزهده ، والظاهر من حال أصحابه الدين والثقة والزهد والصلاح ، وقد قيل : إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ ، وهذا إسناد متصل ، ورجاله معروفون بالثقة ، على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به ، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا وصية لوارث " ، وقوله في البحر : " هو [ ص: 473 ] الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وقوله : " إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع " ، وقوله : " الدية على العاقلة " ، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ، فكذلك حديث معاذ ، لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له .

فإن قال : هذا من أخبار الآحاد لا يصح الاحتجاج به في هذه المسألة .

فالجواب : أن هذا أشهر وأثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 474 ] : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ، فإذا احتج المخالف بذلك في صحة الإجماع ، كان هذا أولى .

[وجواب آخر ، وهو : أن خبر الواحد جائز في هذه المسألة ، لأنه إذا جاز تثبيت الأحكام الشرعية بخبر الواحد مثل : تحليل ، وتحريم ، وإيجاب ، وإسقاط ، وتصحيح ، وإبطال ، وإقامة حد بضرب ، وقطع ، وقتل ، واستباحة فرج ، وما أشبه ذلك ، وكان القياس أولى ، لأن القياس طريق لهذه الأحكام ، وهي المقصودة دون الطريق ، وهذا واضح لا إشكال فيه] .

يدل على ثبوت القياس أيضا ما :

التالي السابق


الخدمات العلمية