صفحة جزء
530 - أنا أبو عبد الله : أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزاز ، أنا أبو علي : إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب ، نا أبو الزناد ، أن الأعرج ، حدثه ، أنه ، سمع أبا هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب ، فذهب بابن إحداهما ، فقالت : هذه لصاحبتها ، إنما ذهب بابنك ، وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك ، فتحاكمتا إلى داود النبي عليه السلام ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا إلى سليمان - عليه السلام - فأخبرتاه ، فقال : إيتوني بالسكين أشقه بينكما ، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله هو ابنها ، فقضى به للصغرى " .

قال أبو هريرة : والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ ، وما كنا نقول إلا المدية [ ص: 485 ] قلت : إنما قالت الصغرى هو ابن الكبرى إشفاقا على الطفل أن يقتل ، وكان ولدها فأدركتها الرقة عليه ، فقضى به سليمان لها ، وقال للكبرى : لو كان ابنك لم تطب نفسك بشقه .

وفى هذا الخبر دليل أن داود وسليمان لم يحكما إلا من جهة الاجتهاد ، لأنه لو كان ما حكم به داود نصا ، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه ، ولو كان ما حكم به سليمان أيضا نصا ، لم يخف على داود .

وفيه دليل أيضا أن الحق في واحد ، لأن سليمان لو وجد مساغا أن لا ينقض على داود حكمه لفعل ، ويشبه أن يكون المعنى الذي ذهب إليه داود ، أن المرأتين لما تساوتا في اليد ، ولإحداهما فضل السن قدمها لأجل ذلك ، وذهب سليمان إلى أن سنها ليس بدليل على أن الولد لها ، والله أعلم .

وهذا الحديث أجمع أهل النقل على ثبوته وصحته ، وذهب خلق من أهل العلم إلى أن حكم الأنبياء المتقدمين ، يجب علينا اتباعه ، إلا أن يأتي في شريعتنا ما يمنع من استعماله ، والإجماع من أهل ملتنا قد حصل أن هذا الحكم لا يصح أن يحكم بمثله في شريعتنا ، فتركناه للإجماع ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن حكم داود وسليمان في الحرث لما نفشت فيه غنم القوم ، وأنهما اختلفا في الحكومة ، وقصتها في ذلك شبيه القصة المذكورة في حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي سقناه آنفا ، وأن حكمهما كان من طريق الاجتهاد ، دون النص والتوقيف والله أعلم .

[ ص: 486 ] [انتهى ، ويتلوه إن شاء الله : (ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين في الحكم بالاجتهاد وطريق القياس)

والحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم تسليما]

[ ص: 487 ] (السماع الملحق بهذا الجزء في النسخة الظاهرية) فرغ من نسخه عبد العزيز بن علي يوم الثلاثاء ، وقت العصر في ربيع الآخر ، سنة تسع وخمسين وأربعمائة .

بلغ السماع من أوله من لفظ الشيخ الإمام أبي بكر : أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، صان الله قدره ، صاحبه الشيخ الجليل أبو القاسم : عبد الرحمن بن علي بن القاسم وولده أبو الطاهر : حسين ، والفقيه أبو القاسم عبد الباقي بن جامع الدمشقي ، وأبو الحسين أحمد بن عبد الواحد المعبر ، وأبو المغيث إبراهيم بن علي بن فضلون ، وأحمد بن محمد السمرقندي ، ومكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم المقدسي ، ذلك بصور في الجامع في جمادى الآخرة ، سنة تسع وخمسين وأربعمائة .

[ ص: 488 ] [من كتاب الفقيه والمتفقه

تصنيف الشيخ الخافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي] (الجزء السادس) [ ص: 489 ] [ ص: 490 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية