صفحة جزء
فصل

وإذا صح الجواب من جهة المسئول قال له السائل : ما الدليل عليه ؟ وهو السؤال الثاني : فإذا ذكر المسئول الدليل فإن كان السائل يعتقد أن ما ذكره ليس بدليل مثل أن يكون قد احتج بالقياس ، والسائل ظاهري لا يقول بالقياس فقال للمسؤول : هذا ليس بدليل ، فإن المسئول يقول له : هذا دليل عندي ، وأنت بالخيار بين أن تسلمه وبين أن تنقل الكلام إليه ، فأدل على صحته ، فإن قال السائل : لا أسلم لك ما احتججت به ، ولا أنقل الكلام إلى الأصل ، كان متعنتا مطالبا للمسؤول بما لا يجب عليه ، وإنما كان كذلك لأن المسئول لا يلزمه أن يثبت مذهبه إلا بما هو دليل عنده ، ومن نازعه في دليله دل على صحته ، وقام بنصرته ، فإذا فعل ذلك ، فقد قام بما يجب عليه فيه ، وإن عدل إلى دليل غيره لم يكن منقطعا ، لأن ذلك لعجز السائل عن الاعتراض على ما احتج به ، وقصوره عن القدح فيه ، ولأن المسئول لا تلزمه معرفة مذهب السائل ، لأنه لا تضره مخالفته ، ولا تنفعه موافقته ، وإنما المعول على الدليل ، وهذا لا إشكال فيه .

وأما السائل إذا عارضه بما هو دليل عنده ، وليس بدليل عند المسئول ، مثل أن يعارض خبره المسند بخبر مرسل ، أو خبر المعروف بخبر المجهول ، وما أشبه ذلك ، وقال للمسؤول ، إما أن تسلم ذلك لي فيكون معارضا لما رويته ، وإما أن تنقل الكلام إلى مسألة المرسل والمجهول ، فهذا ليس للسائل أن يقوله ويخالف المسئول فيه ، لأن [ ص: 81 ] السائل تابع للمسؤول فيما يورده المسئول ويحتج به ، وإنما كان كذلك ، لأنه لما سأله عن دليله الذي دله على صحة مذهبه ، والطريق الذي أداه إلى اعتقاده ، لزمه أن ينظر معه فيما يورده ، فإن كان فاسدا بين فساده ، وإن لم يكن فاسدا صار إليه وسلمه له ، ولهذا المعنى جاز للمسؤول أن يفرض المسألة حيث اختاره وكان السائل تابعا له فيه ولم يجز للسائل أن ينقله إلى جنبة أخرى ويفرض الكلام فيها .

ويكفي المسئول إذا عارضه السائل بما ليس بدليل عنده ، مثل ما ذكرناه من التمثيل في الخبر المرسل وخبر المجهول أن يرده بأن يقول : هذا لا يصح على أصلي ، ثم هو بالخيار بين أن يبين للسائل من أي وجه لا يصح على أصله ، وبين أن يرده بمجرد مذهبه ، وقد ورد القرآن بذلك ، قال الله تبارك وتعالى : ( سبحانه أن يكون له ولد ) وقال : ( لم يلد ولم يولد ) ولم يذكر في الموضعين تعليلا ، وقال تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ) فبين العلة في سقوط قول من قال : إن له ولدا ، وإن له شريكا .

[ ص: 82 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية