صفحة جزء
752 - أنا ابن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا الحجاج - وهو ابن منهال - ، نا حماد ، أنا أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي ، قال : " اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن " ، قال : " ثم [ ص: 125 ] رأيت بعد أن تباع في دين سيدها ، وأن تعتق من نصيب ولدها " ، فقلت : رأيك ورأي الجماعة أحب إلي من رأيك في الفرقة " ، ولم ينكر علي على عبيدة هذا القول .

وأما الجواب عما احتج به من العلم بإصابته ، والقطع على خطأ مخالفه وتأثيمه ، ومنعه من الحكم باجتهاده ، ونقض حكمه ، ومنع العامي من تقليده فهو : أنا نعلم إصابتنا للحق ، ونقطع بخطأ من خالفنا فيه ، ونمنعه من الحكم باجتهاده المخالف للحق .

فأما علمنا بإصابتنا للحق فهو : لأن أحد الحكمين يتميز عن الآخر بالتأثير الموجب للعلم ، أو بكثرة الأصول المقتضية للظن ، وتميز أحد الحكمين عن الآخر معلوم للمجتهد ، فإذا كان كذلك كانت الإصابة معلومة ، وإذا علمت الإصابة ، فقد علم خطأ من خالفها .

وأما التأثيم ، فلا يجوز لأن الشرع ورد بالعفو عنه ، وإثابته على قصده ونيته والوعد والوعيد ، والعفو والتأثيم طريقه الشرع ، وقد ورد الشرع بالعفو عن خطئه كما ورد بالعفو عن الخاطئ والناسي [ ص: 126 ] والمكره ، يدل عليه قول الله تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ) إلى قوله تعالى : ( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) فأثنى عليهما جميعا ، وأخبر بإصابة سليمان ، ولم يؤثم داود ، وكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ ، فله أجر " ، فجعل له أجر اجتهاده ، ولم يؤثمه مع خطئه .

وأما منعه من العمل بما أدى اجتهاده إليه ، فلا شك فيه ، لأنا نقول : إذا عمل به فهو فاسد ، ولهذا نقول : إذا تزوج بغير ولي : إنه نكاح فاسد ، وإذا شرب النبيذ : إنه شرب حراما ، وما أشبه ذلك .

وأما حكم الحاكم ، فإن المسلمين أجمعوا على أنه لا ينقض إذا لم يكن مخالفا لنص ، أو إجماع ، أو قياس معلوم ،والمنع من نقضه لا يدل على أنه كان له أن يحكم به ، لأنه لا يمتنع أن يكون ممنوعا من الحكم ، فإذا حكم به وقع موقع الصحيح الجائز ، كما نقول في البيع في حال النداء للجمعة ، والصلاة في الدار المغصوبة ، والطلاق في حال الحيض .

فإن قيل : مثل هذا لا يمتنع لكن ما الذي يدل عليه ؟

فالجواب عنه : أن الدليل ما ذكرناه من إجماع الأمة على أنه لا [ ص: 127 ] يجوز نقضه ، ولأن في نقض الحكم فسادا لكونه ذريعة إلى تسليط الحكام بعضهم على بعض ، فلا يشاء حاكم يكون في قلبه من حاكم شيء إلا تعقب حكمه بنقض فلا يستقر حكم ، ولا يصح لأحد ملك ، وفي ذلك فساد عظيم ، وإذا كان كذلك ، ثبت ما ذكرناه من هذين الطريقتين .

وأما الجواب عن تقليد العامي ، فهو : أن فرضه تقليد من هو من أهل الاجتهاد ، وقال أبو علي الطبري : فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيبا ، كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفا للنص .

وقد قيل : إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه ، ولا يكلف أكثر من ذلك ، لأنه لا سبيل له إلى معرفة الحق ، والوقوف على طريقه ، وكل واحد من المجتهدين يقينه بما أدى إليه اجتهاده ، فيؤدي ذلك إلى حيرة العامي ، فجعل له أن يقلد أوثقهما في نفسه ، ويخالف المجتهد ، لأنه يتمكن من موافقته على طريق الحق ومناظرته فيه .

[ ص: 128 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية