صفحة جزء
153 - أخبرنا سليمان بن إبراهيم في كتابه ، أنا شيخ لنا حدثنا فاروق ، ثنا زياد ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، ثنا محمد بن فليح ، ثنا موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : لما رجع فل المشركين إلى مكة ، وقد قتل الله منهم من قتل ، أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية الجمحي في الحجر ، فقال : صفوان قبح الله العيش بعد قتلى بدر ، قال : أجل ، والله ما في العيش خير بعدهم ، ولولا دين علي لا أجد قضاءه ، وعيال لا أدع لهم شيئا ، لخرجت إلى محمد ، فقتلته إن ملأت عيني منه ، فإن لي عنده علة أعتل بها أقول : قدمت على ابني هذا الأسير ، ففرح صفوان بقوله ، وقال : علي دينك ، وعيالك أسوة عيالي في النفقة لا يسعني شيء ، ويعجز عنهم ، فحمله صفوان وجهزه ، وأمر بسيف عمير فصقل ، وسم ، وقال عمير لصفوان : اكتمني أياما ، فأقبل عمير حتى قدم المدينة ، فنزل بباب المسجد ، وعقل راحلته ، وأخذ السيف ، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه عمر بن الخطاب ، وهو في نفر من الأنصار يتحدثون عن وقعة بدر ، ويذكرون نعمة الله فيها ، فلما رآه عمر معه السيف فزع ، فقال : عندكم الكلب ، فهذا عدو الله الذي حرش بيننا يوم بدر ، وحزرنا للقوم ، ثم قام عمر ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد متقلدا سيفا ، هو الغادر الفاجر يا رسول الله ، لا نأمنه على شيء ، قال : أدخله علي ، فخرج عمر ، فأمر أصحابه أن ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم احترسوا من عمير ، فأقبل عمر ، وعمير ، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع عمير سيفه ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : تأخر عنه ، فلما دنا منه عمير ، قال : انعموا صباحا ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله عن تحيتك ، وجعل تحيتنا تحية أهل الجنة ، وهي السلام ، فقال عمير : إن عهدك بها لحديث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أبدلنا الله بها خيرا منها ، فما أقدمك ياعمير ؟ قال : قدمت في أسيري عندكم ، ففادونا في أسيركم ، فإنكم العشيرة ، والأصل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال السيف في رقبتك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، فهل أغنت عنا من شيء ، إنما نسيته في رقبتي حين نزلت ، لعمري إن لي لهما غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصدقني ما أقدمك ؟ قال : قدمت في أسيري ، قال : فما الذي شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ، ففزع عمير ، وقال : ما شرطت له شيئا ، قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بنتك ، ويقضي دينك ، والله تعالى حائل بينك وبين ذلك ، قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، كنا [ ص: 141 ] يا رسول الله ، نكذبك بالوحي ، وبما يأتيك من السماء ، وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر ، لم يطلع عليه أحد غيره ، وغيري ، فأخبرك الله به ، فآمنت بالله ورسوله ، والحمد لله الذي ساقني هذا المساق ، ففرح المسلمون حين هداه الله ، وقال عمر : والذي نفسي بيده لخنزير كان أحب إلي من عمير حين طلع ، ولهو اليوم أحب إلي من بعض بني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس يا عمير نواسك ، وقال لأصحابه : علموا أخاكم القرآن ، وأطلق له أسيره ، فقال عمير : يا رسول الله ، قد كنت جاهدا ما استطعت في إطفاء نور الله ، فالحمد لله الذي ساقني ، وهداني من الهلكة ، فائذن لي يا رسول الله ، فألحق بقريش ، فأدعوهم إلى الله ، وإلى الإسلام ؛ لعل الله أن يهديهم ، ويستنقذهم من الهلكة ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلحق بمكة ، وجعل صفوان بن أمية يقول لقريش في مجالسهم : أبشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر ، وجعل يسأل عن كل راكب يقدم من المدينة : هل كان بها من حدث ، وكان يرجو ما قال له عمير ، حتى قدم عليهم رجل من المدينة ، فسأله صفوان عنه ، فقال : قد أسلم ، فلعنه المشركون ، وقالوا : صبأ ، فقال صفوان : لله علي أن لا أنفعه بنفع أبدا ، ولا أكلمه من رأسي كلمة أبدا ، فقدم عليهم عمير ، فدعاهم إلى الإسلام ، ونصحهم جهده ، فأسلم بشر كثير .

قال الإمام - رحمه الله - : قال أهل اللغة : الفل القوم المنهزمون ، وقوله عندكم الكلب إغراء أي احفظوا الكلب واجتنبوه ، وقوله من رأسي أي مما يستقبلني من الزمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية