صفحة جزء
208 - قال الواقدي : حدثنا أبو داود سليمان بن سلم ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة أن رجلا مر على مجلس بالمدينة فيه عمر بن الخطاب ، فنظر إليه عمر ، قال : أكاهن ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هدي بالإسلام كل جاهل ، ودفع بالحق كل باطل ، وأقيم بالقرآن كل مائل ، وأغني بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كل عائل ، فقال عمر : متى عهدك بها ؟ يعني صاحبته ، قال : قبل [ ص: 169 ] الإسلام أتتني ، فصرخت يا سلام ، يا سلام ، الحق المبين ، والخير الدائم ، خير حلم نائم ، الله أكبر ، فقال رجل من القوم : يا أمير المؤمنين ، أنا أحدثك مثل هذا ، والله إنا لنسير في داوية ملساء لا يسمع فيها إلا الصدى ، إذ نظرنا ، فإذا راكب مقبل أسرع من الفرس حتى كان منا على قدر ما يسمعنا صوته ، فقال : يا أحمد ، يا أحمد ، الله أعلى ، وأمجد ، أتاك ما وعدك من الخير يا أحمد ، ثم ضرب راحلته حتى أتى من ورائنا ، فقال عمر : الحمد لله الذي هدانا بالإسلام ، وأكرمنا به ، فقال رجل من الأنصار : أنا أحدثك يا أمير المؤمنين ، مثل هذا ، وأعجب ، قال عمر : حدث ، قال : انطلقت أنا وصاحبان لي نريد الشام حتى إذا كنا بقفرة من الأرض نزلنا بها ، فبينا نحن كذلك لحقنا راكب ، وكنا أربعة قد أصابنا سغب شديد ، فالتفت ، فإذا أنا بظبية عضباء ترتع قريبا مني ، فوثبت إليها ، فقال الرجل الذي لحقنا : خل سبيلها لا أبا لك ، والله لقد رأيتها ونحن نسلك هذا الطريق ، ونحن عشرة ، أو أكثر من ذلك ، فيختطف بعضنا ، فما هو إلا أن كان هذه الظبية ، فما يهاج بها أحد ، فأبيت ، وقلت : لا ، لعمر الله لا أخليها ، فارتحلنا ، وقد شددتها معي حتى إذا ذهب سدف من الليل إذا هاتف يهتف بنا ، ويقول :


يا أيها الركب السراع الأربعة




خلوا سبيل النافر المفزعة     خلوا عن العضباء في الوادي سعة
لا تذبحن الظبية المروعة     فيها لأيتام صغار منفعة



فقال : فخليت سبيلها ، ثم انطلقنا حتى أتينا الشام ، فقضينا حوائجنا ، ثم أقبلنا حتى إذا كنا بالمكان الذي كنا فيه ، هتف هاتف من خلفنا :


إياك لا تعجل وخذها من ثقة     فإن شر السير سير الحقحقه
قد لاح نجم فأضاء مشرقه     يخرج من ظلما عسوف موبقه
ذاك رسول مفلح من صدقه     الله أعلى أمره وحققه



التالي السابق


الخدمات العلمية