صفحة جزء
فصل :

239 - أخبرنا أبو زكريا ، فوجدت في كتاب جدي أبي عبد الله - رحمه الله - ، أنا محمد بن جعفر بن محمد البغدادي بمصر ، ثنا محمد بن يعقوب بن أبي يعقوب ، قال : وذكر عبد الله بن محمد البغوي ، عن عمارة بن زيد ، عن عبد الله بن العلاء بن أبي نبقة ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه حميد ، قال : كان عبد الرحمن بن عوف يقول : سافرت إلى اليمن قبل مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنة ، أو نحوها ، فنزلت على ابن ذي كواهن الحميري ، وكان شيخا كبيرا ، وكان قد أنسئ له في العمر حتى عاد كالفرخ ، وهو يقول :


إذا ما الشيخ صم فلم يكلم وأودى سمعه الأندايا     ولاعب بالعشي بني بنيه
كفعل الهر يفترس العطايا     فذاك الداء ليس له دواء
سوى الموت المطبق بالرزايا [ ص: 186 ]     يفديهم وودوا لو سقوه
من الذيفان مترعة ملايا     شهدت تتابع الأملاك منا
وأدركت الموفق للقضايا     فماتوا أجمعين وصرت حلسا
طريحا لا أنوء إلى الحلايا



قال عبد الرحمن بن عوف : وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن أنزل عليه ، فيسائلني عن مكة ، وعن الكعبة ، وعن زمزم يقول : هل ظهر فيكم رجل له نبأ ، له ذكر ؟ هل خالف أحد منكم عليكم ؟ فأقول : لا ، فأسمي له ذوي الشرف من قريش ، حتى قدمت عليه القدمة التي بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعقبها ، فوافيته قد ضعف ، وثقل سمعه ، فنزلت عليه ، فاجتمع عليه ولده ، وولد ولده ، فأخبروه بمكاني ، فشد عصابة على عينه ، وسند ، وأقعد ، وقال : انسب لي نفسك يا أخا قريش ، فقلت : أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة ، فقال : حسبك يا أخا بني زهرة ، ألا أبشرك ببشارة هي خير لك من التجارة ؟ قال : قلت : بلى ، قال : أنبئك بالمعجبة ، وأبشرك بالمرغبة ، إن الله قد بعث في هذا الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه صفيا ، وأنزل عليه كتابا جعله له ثوابا ، ينهى عن الأصنام ، ويدعو إلى دين الإسلام ، يأمن بالحق ، ويفعله ، وينهى عن الباطل ، ويبطله ، قال عبد الرحمن : فقلت له : ممن هو ؟ قال : لا من الأزد ، ولا ثمالة ، ولا من السرو ، ولا تبالة ، هو من هاشم ، وأنتم أخواله ، يا عبد الرحمن ، أخف الوقفة ، وعجل الرجعة ، ثم آته ووافقه ، وصدقه ، وآزره ، وانصره ، واحمل إليه هذه الأبيات ، فأنشده :


أشهد بالله ذي المعالي     وفالق الليل والصباح
أنك في السر من قريش     يا ابن المفدى من الذباح
أرسلت تدعو إلى يقين     يرشد للحق والفلاح
هد كرور السنين ركني     عن بكر السير والرواح
فصرت حلسا بأرض بيتي     قد قص من قوتي جناحي
إما نأت بي الديار بعدا     فأنت حرزي ومستراحي
فكن شفيعي إلى مليك     يدعو البرايا إلى الصلاح



قال عبد الرحمن ، فحفظت أبياته ، وأسرعت في تقضي حوائجي ، وبيع تجارتي ، حتى إذا أحكمت من ذلك ما أردت ، ودعته وانصرفت ، فقدمت مكة ، فلقيت أبا بكر - رضي الله [ ص: 187 ] عنه - ، وكان لي خليطا ، ونديما ، فأخبرته بقول الحميري ، فقال لي : فهذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله رسولا إلى خلقه ، فأته ، قال : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في منزل خديجة - رضي الله عنها - ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فلما رآني ضحك ، وقال : أرى وجها أرجو له خيرا ، قال : وما ذاك يا محمد ، قال : أحملت إلي وديعة ؟ أم هل أرسلك إلي مرسل برسالة ؟ فهاتها ، أما إن أخا حمير من خواص المؤمنين ، قال عبد الرحمن : فأسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ، ورسوله ، وأنشدته شعر الحميري ، وأخبرته بقوله فيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رب مؤمن بي ، وما رآني ، ومصدق بي ، وما شهد زماني ، أولئك حقا إخواني ، قال عبد الرحمن : وأنا الذي أقول في إسلامي :


أجبت منادي الله لما سمعته     ينادي إلى الدين الحنيف المكرم
وقلت له بالبعد لبيك داعيا     إليك مثابي بل إليك تيممي
أجوب الفيافي من أفاويق حمير     على جلعب صلب القوائم صلقم
لأبناء صدق قد علمت موفقا     وما العلم إلا باطلاب التعلم
وكم مخبر بالحق في الناس ناصح     وآخر أقال كثير التوهم
ألا إن خير الناس في الناس كلهم     نبي جلا عنا شكوك الترجم
نبي أتى والناس في عنجهية     وفي سدف من ظلمة الكفر مقتم
فاقشعه بالنور وجه ظلامه     وساعده في أمره كل مسلم
وخالفه الأشقون من كل فرقة     فسحقا لهم من بعد مثوى جهنم



التالي السابق


الخدمات العلمية