صفحة جزء
301 - قال ابن إسحاق : حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، وكان رجلا قد أدرك الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين ، فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب .

وقال أصحاب المبتدأ ، قال الله تعالى : يا ذا القرنين ، إني باعثك إلى أمم الأرض ، وهي أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها ، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن ، والإنس ، ويأجوج ، ومأجوج ، فأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأمة عند مغرب الشمس يقال لها : ناسك ، وأما الأخرى فعند مطلعها يقال لها : منسك ، وأما اللتان بينهما عرض الأرض ، فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها : هاويل ، والتي في قطر الأرض الأيسر يقال لها : تاويل ، فقال : يا رب ، بأي قوة أكابرهم ، وبأي جمع أكاثرهم ، وبأي حيلة أكايدهم ، فقال : التي بعد لك ظهرك ، فاسند لك ، وكفك ، وألبستك الهيبة ، فانطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس ، فلما بلغهم وجد جمعا ، وعددا لا يحصيه إلا الله تعالى ، ووجد ألسنة مختلفة ، فدعاهم إلى الله تعالى ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من صد عنه ، فجند من أهل المغرب أمما عظيمة ، ثم انطلق بهم يقودهم ، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن ، فانتهى إليهم ، فعمل فيهم كعمله في ناسك ، فلما فرغ منهم مضى على وجهه حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها كعمله ، ثم سلك مقبلا ، وهو يريد تاويل ، فلما بلغها عمل فيها كعمله فيما قبلها ، فلما فرغ منها عطف إلى الأمم [ ص: 218 ] التي في وسط الأرض من الجن ، وسائر الإنس ، ويأجوج ، ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق ، قالت له أمة صالحة : يا ذا القرنين ، إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله يأكلون كل ذي روح مما خلق الله في الأرض ، وليس لله تعالى خلق ينمى نماءهم ، فإن كانت لهم مدة على ما ترى من نمائهم ، فلا شك أنهم سيملؤون الأرض ، ويجلون أهلها منها ، ويظهرون عليها ، فيفسدون فيها ، فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ، فأنشأ ذو القرنين في عمله ، فلما فرغ منه انطلق عامدا إلى جماعة الجن ، والإنس ، فبينا هو يسير دفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق ، وبه يعدلون منهم بيوتهم ، وليس على بيوتهم أبواب ، وليس عليهم أمراء ، وليس بينهم قضاة ، وليس فيهم أغنياء ، ولا ملوك ، فعجب ذو القرنين منهم ، وقال : أخبروني ما بال قبور موتاكم بأبواب بيوتكم ؟ قالوا : فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ، قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ قالوا : ليس فينا متهم ، قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء ؟ قالوا : لا نتظالم ، قال : فما بالكم ليس فيكم حكام ؟ قالوا : لا نختصم ، قال : ما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ قالوا : لا نتكاثر ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قال : لا نتكابر ، قال : فقال ذو القرنين : لو كنت مقيما لأقمت معكم ، ولكني لم أؤمر بالمقام .

قال ابن عباس - رضي الله عنه - ، قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأله عن هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه ، فنزلت ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) ، فقال : أوتينا علما كثيرا ، وأوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي علما كثيرا ، فأنزل الله - عز وجل - : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ) ، قال أهل التفسير : فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما جاءهم به من علم الغيوب حال الحسد بينهم وبين اتباعه ، وتصديقه ، فلجوا فيما هم فيه من الكفر ، وقالوا : ( لا تسمعوا لهذا القرآن ، والغوا فيه لعلكم تغلبون . )

التالي السابق


الخدمات العلمية