صفحة جزء
فصل :

59 - أخبرنا الشريف أبو نصر الزينبي ، أنا أبو طاهر المخلص ، ثنا يحيى بن محمد إملاء ، ثنا يحيى بن سليمان بن نضلة الخزاعي بالمدينة سنة خمس وأربعين ومائتين حدثني عمي محمد بن نضلة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده عن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله بات عندها في ليلتها ثم قام فتوضأ للصلاة فسمعته وهو يقول لبيك لبيك ثلاثا أو نصرت نصرت ثلاثا قالت فلما خرج من متوضئه قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي سمعتك تكلم إنسانا فهل كان معك أحد قال هذا راجز بني كعب يستصرخني ويزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عائشة رضي الله عنها أن تجهزه ولا تعلم به أحدا قال قالت فدخل عليها أبوها أبو بكر رضي الله عنه فقال يا بنية ما هذا الجهاز قالت ما أدري فقال ما هذا زمان غزو بني الأصفر فأين يريد قالت لا علم لي قالت فأقمنا ثلاثا ثم صلى الصبح بالناس فسمع الراجز ينشد :


رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا     إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا     إنا ولدناك فكنت الولدا
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا     وزعموا أن لست تدعوا أحدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا     وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول قد تجردا [ ص: 74 ]

    أبيض كالبدر ينمي صعدا
إن سيم خسفا وجهه تربدا



فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت نصرت ثلاثا أو لبيك لبيك ثلاثا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان بالروحاء نظر إلى سحاب منصب فقال إن هذا السحاب لينصب بنصر بني كعب فقام إليه رجل من بني عدي بن عمرو إخوة بني كعب بن عمرو فقال يا رسول الله ونصر بني عدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترب نحرك وهل عدي إلا كعب وكعب إلا عدي فاستشهد ذلك الرجل في ذلك السفر، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم عم عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة ثم خرج حتى نزل مرا فكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء خرجوا تلك الليلة حتى أشرفوا على مر فنظر أبو سفيان إلى النيران فقال يا بديل لقد أمست نيران بني كعب آهلة قال حاشتها إليك الحرب ثم هبطوا فأخذتهم مزنية تلك الليلة وكانت عليهم الحراسة فسألوهم أن يذهبوا بهم إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فذهبوا بهم فسأله أبو سفيان أن يستأمن له فخرج بهم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يؤمن له من أمن فقال قد أمنت من أمنت ما خلا أبا سفيان فقال يا رسول الله لا تحجر علي فقال من أمنت فهو آمن فذهب العباس بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج بهم فقال أبو سفيان إنا نريد أن نذهب فقال أسفروا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فابتدر المسلمون وضوءه ينضحونه في وجوههم فقال أبو سفيان يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال إنه ليس بملك ولكنها النبوة في ذلك يرغبون .


قال الإمام رحمه الله : قوله يستصرخني أي يستغيثني ، والراجز الشاعر ، وبنو الأصفر الروم ، والحلف والحليف الذي بينك وبينه عقد المودة والإخاء والنصرة ، والأتلد القديم ، ثمت تاء التأنيث ألحقت بالكلمة ، فلم ننزع يدا لم نخرج من الطاعة ، أيدا قويا ، ينمي يرتفع ويزداد ، صعدا صعودا ، إن سيم خسفا أي إن طلب ذلة ، وجهه تربدا أي تغير ، وقوله ترب نحرك دعا أن يقتل شهيدا ، ومر موضع بقرب مكة ، آهلة كثيرة الأهل والقوم ، حاشتها جمعتها وساقتها ، وكانت عليهم الحراسة أي كانوا يحرسون المسلمون تلك الليلة كانت النوبة لهم ، لا تحجر لا تضيق [ ص: 75 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية