صفحة جزء
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في مطامعهم ومشاربهم

قال المصنف رحمه الله : قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته ومنعهم شرب الماء البارد . فلما بلغ إلى المتأخرين استراح من التعب واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم .

ذكر طرف مما فعله قدماؤهم

قال المصنف رحمه الله : كان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته . وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن فروي لنا عن سهل بن عبد الله أنه كان في بدايته يشتري بدرهم دبسا وبدرهمين سمنا وبدرهم دقيق الأرز فيخلطه ويجعله ثلاثمائة وستين كرة فيفطر كل ليلة على واحدة . وحكى عنه أبو حامد الطوسي قال كان سهل يقتات ورق النبق مدة وأكل دقاق التبن مدة ثلاث سنين واقتات بثلاث دراهم في ثلاث سنين . أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري ، نا أبو سعد بن أبي صادق ، نا ابن باكويه ثني أبو الفرج بن حمزة التكريتي ثني أبو عبد الله الحصري قال سمعت أبا جعفر الحداد يقول أشرف علي أبو تراب يوما وأنا على بركة ماء ولي ستة عشر يوما لم آكل شيئا ولم أشرب فيها ماء فقال ما جلوسك ههنا فقلت أنا بين العلم واليقين وأنا أنظر من يغلب فأكون معه فقال سيكون لك شأن . أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، نا ابن أبي صادق ، ثنا ابن باكويه ، نا عبد العزيز بن الفضل ، ثنا علي بن عبد الله العمري ، ثنا محمد بن فليح ثني إبراهيم بن البنا البغدادي قال صحبت ذا النون من أخميم إلى الإسكندرية فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصا وملحا كان معي وقلت هلم فقال لي ملحك مدقوق . قلت نعم . قال لست تفلح فنظرت إلى مزوده فإذا فيه قليل سويق شعير يستف منه . أخبرنا ابن ظفر ، نا ابن السراج ، نا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا ابن جهضم ، ثنا محمد بن عيسى بن هارون الدقاق ، ثنا أحمد بن أنس ، ثنا ابن أبي الحواري . سمعت أبا سليمان يقول الزبد بالعسل إسراف . قال ابن جهضم وحدثنا محمد بن يوسف البصري قال سمعت أبا سعيد صاحب سهل يقول بلغ أبا عبد الله الزبيري ، وزكريا الساجي ، وابن أبي أوفى . أن سهل بن عبد الله يقول : أنا [ ص: 201 ] حجة الله على الخلق . فاجتمعوا عنده فأقبل عليه الزبيري فقال له : بلغنا أنك قلت - أنا حجة الله على الخلق - فبماذا ، أنبي أنت ؟ أصديق أنت . قال سهل ، لم أذهب حيث تظن ولكن إنما قلت هذا هذا لأخذي الحلال . فتعالوا كلكم حتى نصحح الحلال . قالوا . فأنت ، قد صححته . قال نعم ، قال وكيف ، قال سهل قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي على سبعة أجزاء . فأتركه حتى يذهب منها ستة أجزاء ويبقى جزء واحد فإذا خفت أن يذهب ذلك الجزء ويتلف معه نفسي خفت أن أكون قد أعنت عليها وقتلتها دفعت إليها من البلغة ما يرد الستة الأجزاء .

أخبرنا ابن حبيب ، نا ابن أبي صادق ، نا ابن باكويه قال أخبرني أبو عبد الله ابن مفلح قال خبرني أبي أخبرني أبو عبد الله بن زيد قال لي : منذ أربعين سنة ما أطعمت نفسي طعاما إلا في وقت ما أحل الله لها الميتة . أخبرنا ابن ناصر ، نا أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد السهلكي ثني أبو الحسن علي بن محمد القوهي ، ثنا عيسى بن محمد عن أبيه محمد بن عيسى ، ثنا موسى بن عيسى ، ثنا عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد . قال : جاء رجل إلى أبي يزيد قال أريد أن أجلس في مسجدك الذي أنت فيه ، قال لا تطيق ذلك . فقال : إن رأيت أن توسع لي في ذلك . فأذن له فجلس يوما لا يطعم فصبر فلما كان في اليوم الثاني . قال له يا أستاذ : لا بد مما لا بد منه . فقال : يا غلام لا بد من الله ، قال يا أستاذ نريد القوت . قال : يا غلام القوت عندنا إطاعة الله . فقال : يا أستاذ أريد شيئا يقيم جسدي في طاعته عز وجل . فقال : يا غلام إن الأجسام لا تقوم إلا بالله عز وجل .

أخبرنا المحمدان ابن ناصر ، وابن عبد الباقي قالا نا حمد بن أحمد ، نا أبو نعيم الحافظ . قال سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا عثمان الآدمي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول : حدثني أخ لي كان يصحب أبا تراب نظر إلى صوفي مد يده إلى قشر البطيخ وكان قد طوى ثلاثة أيام . فقال له تمد يدك إلى قشر البطيخ أنت لا يصلح لك التصوف . الزم السوق . أخبرنا محمد بن أبي القاسم أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب ، نا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا القاسم القيرواني يقول سمعت بعض أصحابنا [ ص: 202 ] يقول : أقام أبو الحسن النصيبي بالحرم أياما مع أصحاب لهم سبعة لم يأكلوا فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأى قشر بطيخ فأخذه فأكله . فرآه إنسان فاتبعه بشيء وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم فقال الشيخ : من جنى منكم هذه الجناية فقال الرجل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته فقال كن مع جنايتك ومع هذا الرفق وخرج من الحرم ومعه أصحابه وتبعه الرجل . فقال : ألم أقل لك كن مع جنايتك ، فقال الرجل : أنا تائب إلى الله تعالى مما جرى مني ، فقال الشيخ : لا كلام بعد التوبة .

أخبرنا عمر بن ظفر ، نا ابن السراج ، نا أبو القاسم الأزجي ، نا أبو الحسن بن جهضم ، ثنا إبراهيم بن محمد الشنوزي قال سمعت بنان بن محمد يقول كنت بمكة مجاورا فرأيت بها إبراهيم الخواص وأتى علي أيام لم يفتح علي بشيء وكان بمكة مزين يحب الفقراء وكان من أخلاقه إذا جاءه الفقير يحتجم اشترى له لحما فطبخه فأطعمه فقصدته وقلت أريد أن أحتجم فأرسل من يشتري لحما وأمر بإصلاحه وجلست بين يديه فجعلت نفسي تقول : ترى يكون فراغ القدر مع فراغ الحجامة . ثم استيقظت وقلت : يا نفس إنما جئت تحتجمين لتطعمي عاهدت الله تعالى ألا ذقت من طعامه شيئا . فلما فرغ انصرفت فقال سبحان الله أنت تعرف الشرط . فقلت : ثم عقد : فسكت . وجئت إلى المسجد الحرام ولم يقدر لي شيء آكله : فلما كان من الغد بقيت إلى آخر النهار ولم يتفق أيضا فلما قمت لصلاة العصر سقطت وغشي علي واجتمع حولي ناس وحسبوا أني مجنون فقام إبراهيم وفرق الناس وجلس عندي يحدثني . ثم قال تأكل شيئا . قلت قرب الليل . فقال : أحسنتم يا مبتدئون اثبتوا على هذا تفلحوا ثم قام فلما صلينا العشاء الآخرة إذا هو قد جاءني ومعه قصعة فيها عدس ورغيفان ودورق ماء فوضعه بين يدي وقال : كل ذلك فأكلت الرغيفين والعدس فقال : فيك فضل تأكل شيئا آخر قلت نعم فمضى وجاء بقصعة عدس ورغيفين فأكلتهما وقلت قد اكتفيت فاضطجعت فما قمت ليلتي ونمت إلى الصباح ما صليت ولا طفت .

أنبأنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ثنا أبي قال سمعت محمد بن عبد الله الصوفي سمعت منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول سمعت أبا علي الروزباري يقول : إذا قال الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق وأمروه [ ص: 203 ] بالكسب . أنبأنا عبد المنعم ثنا أبي قال سمعت ابن باكويه يقول سمعت أبا أحمد الصغير يقول : أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لإفطاره فأشفقت عليه ليلة فحملت إليه خمسة عشر حبة فنظر إلي وقال من أمرك بهذا وأكل عشر حبات وترك الباقي .

أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، نا علي بن أبي صادق ، نا ابن باكويه قال سمعت عبد الله بن خفيف يقول : كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلاء فمضيت يوما فاقتصدت فخرج من عرقي شبه ماء اللحم وغشي علي . فتحير الفصاد وقال : ما رأيت جسدا لأدم فيه إلا هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية