صفحة جزء
[فصل]

قال المصنف : رحمه الله : وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، نا أبو الحسين بن عبد الجبار ، نا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا إبراهيم بن جعفر الساجي ، نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ، نا عبد الله بن إبراهيم بن يعقوب الجيلي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل . قال : له عقبة بن مكرم . هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم . فقال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هذا فقطعهم عن الفرض . قال الخلال : وأخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ، ثنا إسحاق بن داود بن صبيح . قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية . فقال : لا تقرب هؤلاء أخرجهم إلى الزندقة . ثم قال : خرج سفيان الثوري في سفر فشيعته وكان معه سفرة فيها فالوذج وكان فيها حمل . قال الخلال : وأخبرني المروزي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل . وقال له رجل : إني منذ خمس عشرة سنة قد ولع بي إبليس . وربما وجدت وسوسة أتفكر في الله عز وجل فقال : لعلك كنت تدمن الصوم . أفطر وكل دسما وجالس القصاص .

قال المصنف رحمه الله : وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع في معدته أخلاط فجة فتغتذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه . فإذا هضمت ما عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الأخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء . وذلك الغذاء الرديء يخرج إلى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق . وهؤلاء المتقللون يتناولون مع التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الأخلاط . ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة فيمكنهم الصبر عن الطعام أياما . ويعينهم على هذا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عن الطعام كرامة . وإنما السبب ما عرفتك . وقد أنبأنا [ ص: 209 ] عبد المنعم بن عبد الكريم قال حدثني أبي قال كانت امرأة قد طعنت في السن فسئلت عن حالها . فقالت كنت في حال الشباب أجد من نفسي أحوالا أظنها قوة الحال . فلما كبرت زالت عني . فعلمت أن ذلك كان قوة الشباب فتوهمتها أحوالا . قال سمعت أبا علي الدقاق يقول ما سمع أحد هذه الحكاية من الشيوخ إلا رق لهذه العجوز وقال إنها كانت منصفة .

وقال المصنف : فإن قيل كيف تمنعون من التقلل وقد رويتم أن عمر رضي الله عنه كان يأكل كل يوم إحدى عشرة لقمة . وإن ابن الزبير كان يبقى أسبوعا لا يأكل وإن إبراهيم التميمي بقي شهرين . قلنا : قد يجري للإنسان من هذا الفن في بعض الأوقات غير أنه لا يدوم عليه . ولا يقصد الترقي إليه . وقد كان في السلف من يجوع عوزا وفيهم من كان الصبر له عادة لا يضر بدنه . وفي العرب من يبقى أياما لا يزيد على شرب اللبن . ونحن لا نأمر بالشبع إنما ننهى عن جوع يضعف القوة ويؤذي البدن . وإذا ضعف البدن قلت العبادة . فإن حملت البدن قوة الشباب جاء الشيب فأقذع بالراكب . وقد أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، نا عبد القادر بن يوسف ، نا أبو إسحاق البرمكي ، ثنا أبو يعقوب بن سعد النسائي ثنا جدي الحسن بن سفيان ، ثنا حرملة بن يحيى ، ثنا عبد الله بن وهب ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة ، عن أنس رضي الله عنه . قال : كان يطرح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه . وقد روينا عن إبراهيم بن أدهم : أنه اشترى زبدا وعسلا وخبزا حواريا . فقيل له : هذا كله تأكله فقال : إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال واذا عدمنا صبرنا صبر الرجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية