صفحة جزء
[فصل]

أما مذهب أحمد رحمه الله . فإنه كان الغناء في زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه . فروى عنه ابنه عبد الله [ ص: 221 ] أنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، لا يعجبني . وروى عنه إسماعيل بن إسحاق الثقفي : أنه سئل عن استماع القصائد فقال : أكرهه ، هو بدعة ، ولا يجالسون . وروى عنه أبو الحارث أنه قال : التغيير بدعة ، فقيل له : إنه يرقق القلب . فقال هو بدعة . وروى عنه يعقوب الهاشمي : التغيير بدعة محدث . وروى عنه يعقوب بن غياث أكره التغيير وأنه نهى عن استماعه .

قال المصنف : فهذه الروايات كلها دليل على كراهية الغناء ، قال أبو بكر الخلال كره أحمد القصائد لما قيل له إنهم يتماجنون ثم روي عنه ما يدل على أنه لا بأس بها . قال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القصائد . فقال : بدعة . فقلت له : إنهم يهجرون . فقال لا يبلغ بهم هذا كله .

قال المصنف : وقد روينا أن أحمد سمع قوالا عند ابنه صالح فلم ينكر عليه . فقال له صالح يا أبت أليس كنت تنكر هذا . فقال : إنما قيل لي إنهم يستعملون المنكر فكرهته ، فأما هذا فإني لا أكرهه : قال المصنف رحمه الله قلت وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء . وإنما أشار إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات . وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد . ويدل على ما قلت أن أحمد بن حنبل سئل عن رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية . فاحتاج الصبي إلى بيعها . فقال لا تباع على أنها مغنية فقيل له إنها تساوي ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة .

قال المصنف : وإنما قال هذا لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إلى العشق ، وهذا دليل على أن الغناء محظور إذ لو لم يكن محظورا ما أجاز تفويت المال على اليتيم . وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم عندي خمر لأيتام ، فقال أرقها . فلو جاز استطلاحها لما أمره بتضييع أموال اليتامى . وروى المروزي عن أحمد بن حنبل أنه قال : كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية إنما [ ص: 222 ] يغني بالغزل والنوح . فبان من هذه الجملة أن الروايتين عن أحمد في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة ، فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده كيف ولو علم ما أحدث الناس من الزيادات .

التالي السابق


الخدمات العلمية