صفحة جزء
[فصل]:

وحكى النوبختي في كتاب الآراء والديانات أن سقراط كان يزعم أن أصول الأشياء ثلاثة: علة فاعلة، والعنصر، والصورة. قال: والله تعالى هو الفعال، والعنصر هو الموضوع الأول للكون، والفساد والصورة جوهر للجسم، وقال آخر منهم: الله هو العلة الفاعلة، والعنصر المنفعل، وقال آخر منهم: العقل رتب الأشياء هذا الترتيب، وقال آخر منهم: بل الطبيعة فعلته.

وحكى يحيى بن بشير بن عمير النهاوندي أن قوما من الفلاسفة قالوا: لما شاهدنا العالم مجتمعا ومتفرقا ومتحركا وساكنا علمنا أنه محدث، ولا بد له من محدث، ثم رأينا أن الإنسان يقع في الماء، ولا يحسن السباحة، فيستغيث بذلك الصانع المدبر، فلا يغيثه، أو في النار، فعلمنا أن ذلك الصانع معدوم. قال: واختلف هؤلاء في عدم الصانع المدبر على ثلاث فرق: فرقة زعمت أنه لما أكمل العالم استحسنه، فخشي أن يزيد فيه، أو ينقص منه فيفسد، فأهلك نفسه، وخلا منه العالم، وبقيت الأحكام تجري بين حيواناته ومصنوعاته على ما اتفق، وقالت الفرقة الثانية: بل ظهر في ذات الباري تولول، فلم يزل تنجذب قوته ونوره حتى صارت القوة والنور في ذلك التولول، وهو العالم، وساء نور الباري، وكان الباقي منه سنور.

وزعموا أنه سيجذب النور من العالم إليه حتى يعود كما كان، ولضعفه عن مخلوقاته أهمل أمرهم، فشاع الجور.

وقالت الفرقة الثالثة: بل الباري لما أتقن العالم تفرقت أجزاؤه فيه، فكل [ ص: 47 ] قوته في العالم، فهي من جوهر اللاهوتية قال الشيخ رحمه الله: هذا الذي ذكره النهاوندي نقلته من نسخة النظامية قد كتبت منذ مائتين وعشرين سنة، ولولا أنه قد قيل ونقل في ذكره بيان ما قد فعل إبليس في تلبيسه لكان الأولى الإضراب عن ذكره تعظيما لله عز وجل أن يذكر بمثل هذا، ولكن قد بينا وجه الفائدة في ذكره.

التالي السابق


الخدمات العلمية