صفحة جزء
وروينا عن أبي بكر البيهقي بسنده إلى مالك ، قال : فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيبا .

وقد قيل إن الذي تولى الكلام مع الأنصار وشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة .

وروينا من طريق العدني ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر فذكر حديث العقبة وفيه : فأخذ بيده يعني النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا ، فقال . رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : يا أسعد ! أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها . . الحديث . [ ص: 275 ] وقيل : بل العباس بن عبادة بن نضلة . روينا عن ابن إسحاق ، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ؛ أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر الخزرج ! إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس . فذكر نحو ما تقدم . قال : فأما عاصم فقال : والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما عبد الله بن أبي بكر فقال : ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم ، فالله أعلم أي ذلك كان .

وكانت هذه البيعة على حرب الأسود والأحمر ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه واشترط عليهم لربه ، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ، فأول المبايعين فيها مختلف فيه : فرويناه عن ابن إسحاق من طريق البكائي ، ومن طريق أبي عروبة ، عن سليمان بن سيف ، عن سعيد بن بزيع عنه قال : بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبنو عبد الأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان ، وقد تقدم أنه البراء بن معرور .

فلما انتهت البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد أجمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا أزب [ ص: 276 ] العقبة ، أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغن لك . فاستأذنه العباس بن عبادة في القتال . فقال : لم نؤمر بذلك . وتطلب المشركون خبرهم ، فلم يعرفوه ، ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، فأما سعد فكان ممن عذب في الله ، وأما المنذر فأعجزهم وأفلت . ونمي خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم ، والحارث بن حرب بن أمية على يدي أبي البختري بن هشام فأنقذه الله بهما . وقال ضرار بن الخطاب الفهري :


تداركت سعدا عنوة فأخذته وكان شفاء لو تداركت منذرا     ولو نلته طلت هناك جراحه
وكان حريا أن يهان ويهدرا

فأجابه حسان بأبيات ذكرها ابن إسحاق .

فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام وكان عمرو بن الجموح ممن بقي على شركه ، وكان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن أسلم من بني سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة منكسا رأسه في عذر الناس ، فإذا أصبح عمرو قال : ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ، ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، فإذا أمسى عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله مرة وطهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال له : ما أعلم من يصنع بك ما أرى ، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك . فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس . وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه ، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم رضي الله عنه ، وحسن إسلامه .

[ ص: 277 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية